استقراء التاريخ الإنساني لا شك أنه مهمة شاقة، مثلما أن جمعه وكتابته بحياد تام وإنصاف لا ظلم فيه أكثر مشقة وعناء.. لأن الباحثين عن الحقيقة في دهاليز الماضي ومنعرجات التاريخ وتباينات الحياة، وصراعات الإنسان مع ذاته وواقعه من أجل البقاء معنيون بإعلاء قيم الصدق والحق والموضوعية، مادام الأمر يتعلق بالتاريخ الوطني لليمن عبر العصور. خطوة شجاعة ومسئولة أن تدشن جامعة تعز، الحالمة والرائعة كمدينتها، مشروع موسوعة المدن اليمنية، واستحضار دور كل منها في التاريخ الإنساني والحضاري، ومعرفة مدى تأثير كل منها في التاريخ العلمي والفكري والسياسي والاقتصادي، وأثر الحياة الاجتماعية في تخليق الحياة والعوامل التي ساعدت في استنهاض وتحفيز الإنسان لكي يصنع البيئة المناسبة للتفكير والإبداع. ما من شك بأن كل مدينة يمنية تتفرد بمميزات وبيئة وتاريخ وحضارة تشكل عمق شخصيتها، وتتميز بمفردات وعناصر وطاقات إبداعية تتكامل مع غيرها من المدن اليمنية الأخرى؛ لكنها تظل الخصوصية طاغية في جوانب وصفات وقيم وتاريخ يحكي لنا عن تاريخ إنسان عاش هنا وكان وراء ذلك العطاء والازدهار الملحوظ. مدينة تعز «الحالمة» واحدة من تلك المدن اليمنية التي شكلت تاريخ الجزيرة العربية وخلّقته في العصور القديمة وحتى يوم الناس هذا، على الرغم من أن مدينة تعز قد ظلت على مدار التاريخ منطقة طاردة وجاذبة للمد والجزر البشري؛ إلا أنها قد أسهمت ومازالت في رفد التاريخ الإنساني في فروعه المختلفة، مثلما شاركت بالكثير من الأعلام والمؤلفات والمدارس العلمية والفكرية والتربوية التي كانت وراء تنامي المعرفة في المجتمع اليمني والجزيرة العربية. ومن أراد التأكد من ذلك فعليه بالرجوع إلى المصنفات التاريخية والموسوعات العلمية ومصنفات الرجال والمدن خلال التاريخ القديم والإسلامي وحتى اليوم. ثمة سعادة تغمرنا معشر المهتمين والباحثين والأكاديميين لما قامت به جامعة تعز ممثلة برئيسها الأستاذ الدكتور محمد عبدالله الصوفي، ومؤسسة السعيد ممثلة بمديرها العام الأستاذ فيصل سعيد فارع في تأسيسهم قاعدة شراكة علمية وبحثية جادة ستكون بوابة التكامل بين المؤسسات الأكاديمية والثقافية والاجتماعية، يحقق بلورة واقعية ومتطورة للبحث العلمي وإخراجه من تأزمه المادي والمعنوي والاجتماعي، وهي نقلة نوعية في هذا الطريق المعرفي الشاق. ومن هذا المنطلق التكاملي أدعو كلاً من جامعة عدن ممثلة برئيسها الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن حبتور ومؤسسة السعيد بقيادة الأستاذ فيصل سعيد فارع إلى الشراكة العلمية والبحثية في إنجاح ندوة الأستاذ المناضل أحمد محمد نعمان التي ستقام في نوفمبر القادم، سعياً لترسيخ قيم الشراكة المعرفية وتقوية روابط التعاون البحثي المثمر بين الجامعة والمجتمع، إضافة إلى ما قد سبقت به جامعة تعز والسعيد في ندوة تاريخ تعز التي ستكون في مايو 2009م. أنا على يقين من أن دعوتي هذه التي أرسلها عبر صحيفة «الجمهورية» ستؤخذ بعين الاهتمام والرعاية والفعل المطلوب معاً.