قد يقول البعض من الأحزاب والتنظيمات السياسية غير الممثلة في مجلس النواب ومن جماهير المستقلين؛ بل حتى من داخل المؤتمر والمشترك من الذين كانوا يرغبون في ترشيح أنفسهم في الانتخابات البرلمانية: إن تمديد النواب لأنفسهم عمل غير ديمقراطي ويفرض الوصاية على الهيئة الشعبية الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة بصورة تتنافى مع الظروف القاهرة التي نصّت عليها المادة «65» من دستور الجمهورية اليمنية النافذة على الجميع.. وأقول بالأحرى: إن التمديد بدافع الحرص على الوفاق والاتفاق، وإن كان أفضل من مقاطعة المشترك لإجراء الانتخابات في موعدها القانوني من وجهة نظر الرئيس علي عبدالله صالح الذي عُرف بحرصه الشديد على الوحدة الوطنية إلى حد التغاضي عن بعض التجاوزات والممارسات الفوضوية من منطلق حبه للتسامح والعفو عند المقدرة. إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول: إن التمديد يتنافى مع المبررات الدستورية لاسيما أن البلد لا يمر بظروف حرب وكوارث استثنائية تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في 27 ابريل 2009م؛ لاسيما أن الحوار انحصر في نطاق الأحزاب الممثلة في مجلس النواب؛ واستبعاد الأحزاب غير الممثلة في مجلس النواب والتي تتطلع إلى الحصول على قدر من التمثيل يليق بما لديها من قاعدة ناخبة ناهيك عن أولئك المستقلين والحزبيين الذين أعدّوا أنفسهم للمشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية الوشيكة. صحيح أن المنظومة الدستورية والقانونية بحاجة إلى بعض الإصلاحات بدافع الحرص على تطوير التجربة الديمقراطية؛ إلا أن الإصلاحات التي تفرض بالاتفاقات الحزبية الفوقية قد لا تتفق مع الإرادة الشعبية الحرة والتواقة باستمرار إلى التغيير بالأساليب الديمقراطية كما هو معمول به في جميع البلدان الديمقراطية الناشئة والناضجة. حيث يصبح تعديل المنظومة الدستورية والقانونية من حق الأغلبية النسبية والأغلبية الخاصة والاستفتاءات الشعبية العامة دون حاجة إلى تمديد المواعيد الزمنية للدورات الانتخابية بمعدلات تتجاوز الأيام والأسابيع والشهور إلى الأعوام كما يحدث لتجربتنا الديمقراطية الناشئة نزولاً عند رغبة بعض أحزاب المعارضة ولا أقول كل أحزاب المعارضة التواقة إلى التداول السلمي للسلطة. أقول ذلك وأقصد به أن التمديد الذي اعتبره حزب الأغلبية الساحقة هو الخيار الوحيد الأفضل من غيره من الخيارات المتاحة لم يكن خياراً مفروضاً عليه من أحزاب المشترك التي هددته بالمقاطعة واللجوء إلى أساليب غير انتخابية للحيلولة دون إجراء العملية الانتخابية أو حتى بعد إجراء العملية الانتخابية تحول بينه وبين التفرغ لتطبيق برامجه الانتخابية الرئاسية والنيابية؛ فقد كان بمقدوره أن يجري العملية الانتخابية في موعدها مهما ترتب عليها من المخاطر والمغامرات الآنية حتى لا يفتح المجال في المستقبل القريب والبعيد لتكرار هذا النوع من الاتفاقات والوفاقات والمحاصصات غير الديمقراطية وغير الانتخابية. لكن الثابت بيقين هو أن هذا الخيار قد فرض عليه من رئيس الجمهورية ورئيسه انتصاراً للمشترك؛ لأنه بحكم مسؤولياته الوطنية والتاريخية، وبحكم رعايته للديمقراطية الناشئة لا يستطيع الدخول منفرداً إلى ساحة المنافسة الانتخابية حتى ولو وجد نفسه على المدى القريب والبعيد أسير هذا النوع من الممارسات والمساومات والمطالب التي لها بداية وليست لها نهاية تتجاوز الحدود المسئولة والمقبولة للتنازلات إلى ما بعدها من منطلقات تندرج في نطاق اللا معقولات واللا مقبولات من مخرجات التبرير التي تتجاوز المتغيرات إلى المساس بقدسية الثوابت الوطنية العظيمة. قد يكون إجراء العملية الانتخابية في غياب المشترك عملية مؤلمة وصعبة للحزب الحاكم إذا قيست به منفرداً دون وجود أحزاب أخرى معارضة من الناحية السياسية؛ إلا أنها من الناحية الدستورية والقانونية عملية مُرضية؛ مقنعة لمن هم في الحكم ومن هم في المعارضة ومن هم داخل وخارج مجلس النواب تقطع الآمال الزائفة عند أولئك الذين يتطلعون إلى الحصول على مكاسب ذاتية عن طريق اللجوء إلى أساليب غير ديمقراطية تتنافى مع المصلحة العامة للوطن وللشعب صاحب المصلحة الحقيقية في قدسية الثوابت الوطنية المتمثلة بالثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة. ومادمنا نتحدث عن مواقف شجاعة تبرر التمديد بقدسية الحفاظ على الوحدة الوطنية للشعب في ظروف اقتصادية واجتماعية وطنية وعربية وعالمية صعبة وموجبة لتقديم التنازلات على قاعدة «درء الحدود بالشبهات» أو القبول بالخطر الأقل لدرء الخطر «الأكبر» من خلال مساعٍ حميدة وحريصة تقوم بها قيادة تاريخية مهابة بحجم وبمكانة الرئيس صالح باعتباره رئيساً للجمهورية قبل وبعد أن يكون رئيساً للحزب الحاكم؛ تصبح هي المقبول الوحيد لتبرير التمديد والقبول به من جميع الأوساط بما فيهم السواد الأعظم من أبناء الشعب الذين وضعوا فيه الثقة في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وفي هذا الإطار الذي يعترف للرئيس بدور الرعاية والسيرورة التاريخية دون غيره يمكن للأحزاب والتنظيمات السياسية غير الموافقة؛ ويمكن للمستقلين والذين كانوا يعدّون أنفسهم للدخول في ما هو واعد من منافسات انتخابية برلمانية التعامل مع التمديد بالقبول دون مناقشة من الذي حمّل النص الدستوري أكثر مما يحتمله من المعاني الحقوقية والفقهية. ويمكن للهيئة الشعبية الناخبة أن تعتبر هذه الاتفاقية التي فرضها رئيس الجمهورية من موقع الحيادية على الأحزاب والتنظيمات الممثلة في مجلس النواب وبدافع الحرص على الوفاق الوطني إحدى التضحيات التي تضاف إلى ما قبلها من تضحيات بدافع الحرص على الوحدة، ولا أقول بدافع القلق من الأثر السلبي للمقاطعة الانتخابية لأحزاب المشترك مهما بدت مؤلمة وغير معقولة وغير مقبولة من الأحزاب غير الممثلة في مجلس النواب ومن الهيئة الشعبية الناخبة؛ إلا أنها تنسجم مع قاعدة «درء المخاطر» لا يمكن لأحزاب اللقاء المشترك ولا يمكن لأعضاء مجلس النواب بشكل عام القول بأنها من انتصاراتهم الموجبة للمباهاة والمفاخرة. أكدت بأن مخاوف البعض من المنافسات الانتخابية البرلمانية لم تكن مخاوف مبنية على وقائع منطقية؛ لا بل قل: إنها كانت بمثابة إعادة الاعتبار لحيادية واستقلالية اللجنة العليا للانتخابات التي اتهمت ظلماً وعدواناً بعدم الحيادية وعدم الاستقلالية فيما تقوم به من أعمال دستورية وقانونية. المهم أن أمام الجميع فرصة مناسبة لمراجعة خطاباتهم ومواقفهم ومصارحة ومراجعة ما اختلفوا عليه من النصوص والقواعد الدستورية والقانونية بمصداقية استناداً إلى رعاية فخامة الأخ رئيس الجمهورية صانع أمجاد اليمن الحديث والمعاصر، وقبل ذلك وبعد ذلك مراجعة أنفسهم من أنفسهم واستعادة ما هو مفقود من أزمة الثقة التي ألقت بظلالها على خلافاتهم الماضية والحاضرة إلى درجة لم يجدوا لها مخرجاً سوى الاتفاق على إعادة كتابة قانون الانتخابات وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات باعتبارها الحلقة الأضعف في أجندة الأحزاب التي تمنحهم مساحة معقولة ومقبولة من تبادل الاتهامات والمناورات السياسية. أخلص من ذلك إلى القول متسائلاً بدافع الحرص على الديمقراطية أيضاً: هل تكون مساحة ومسافة العامين المقبلين كافية للوصول إلى اتفاقات وتعديلات دستورية وقانونية نهائية غير قابلة لتكرار إنتاج الخلافات والأزمات المفتعلة عند كل محطة انتخابية بدافع الخوف على السلطة أو بدافع الطمع فيها من الأقلية، أم أن ما هو آت من الوقت والمسافات الزمنية المترامية ستكون حُبلى بإنتاج سلسلة معقدة من الأزمات والخلافات التي لها بداية وليست لها نهاية تستوجب تكرار التأجيل والتمديد على قاعدة «لزوم ما لا يلزم» على الإطلاق؟!. يحدونا الأمل بأن الواقع مليء بالكثير من الدروس ومن العبر المفيدة، ومليء بالكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية القادرة على التجدد والتجديد لما لديها من قواعد انتخابية واعدة بالتداول في ركوب الأخطار وتحدي الأقدار والسير في الركاب الصعب للتداول السلمي للسلطة على ما فيه من الصعوبة المخيفة رغم بساطته وسهولته المبنية على الإقناع والاقتناع الذي تتطابق فيه الفكرة بالممارسة العملية، والأقوال بالأفعال، مهما كانت مفارقاتها بحاجة إلى بذل الجهود الشاقة والمضنية الموجبة للتحرر من مرض الأنانية وحب الأنا المدمر للفضيلة والوحدة.