قبل ثلاثة أعوام تقريباً التقى الأخ رئيس الجمهورية أبناء الجالية اليمنية في الولاياتالمتحدة، وتفقد أحوالها، غير أنه خصص مايزيد عن 60 % من زمن حديثه معهم لموضوع واحد هو التعليم، فأدركنا حينها أن الأخ الرئيس الذي عنون لقاءاته مع المسئولين الأمريكيين تحت رهانات استثمارية تنموية، كان رهان لقائه مع الجاليات على استثمار القدرات البشرية وليست الموارد الطبيعية. فعندما يكون في الولاياتالمتحدة وحدها أكثر من «350» ألف مغترب يمني، كان حتماً على القيادة اليمنية أن تحمل هموم الهوية الوطنية، والولاء، واللغة، والدين، والثقافة الإنسانية، عموماً لأبناء المغتربين، لهذا أفضى اللقاء إلى جملة من التوجيهات الخاصة بتعليم أبناء المغتربين ودعم احتياجاتهم المختلفة. اليوم وبعد ثلاثة أعوام أو أكثر يؤكد أبناؤنا الطلاب في أمريكا أنهم لا يعرفون اسم السفير اليمني ولا القنصل،ولم يسمعوا من قبل بشيء اسمه وزارة شئون المغتربين، وعندما سألناهم عن الرعاية التي تقدمها الدولة ضحكوا، وقالوا : إنها لم يسبق لها رعاية حتى حفل تخرج، ولا حتى حضوره. لا شك أن رئيس الدولة عندما يتخذ قرارات في أمر ما، فإنه من غير المنتظر منه أن يتابع تنفيذها طالما هناك مجلس وزراء ، ووزارات معنية، وأجهزة رقابية، ومستفيدون، تناط بهم جميعاً اتخاذ خطوات إجرائية لتمثيل القرار السياسي على أرض الواقع.. فلماذا إذن تقاعست كل هذه الجهات عن إيلاء الموضوع الأهمية التي يستحقها، وكيف غاب عن إدراكها بُعد النظر الرئاسي، وما يتضمنه من استدراك للضرورات الوطنية في تلك المرحلة بالذات التي شهدت البدايات الأولى لحملات نشر ثقافة الكراهية والعصبيات المناطقية. من خلال التواصل اليومي مع الجاليات اليمنية في مختلف أرجاء العالم، تبين لي أن الحال يعيد استنساخ نفسه في أغلب دول المهجر، وأن ثمة قطيعة غريبة توغل جذورها على طريق العلاقة بين المغتربين والجهات الرسمية بدءاً من السفارات وانتهاء بوزارة شئون المغتربين. كما أن هذه القطيعة ما لبثت أن ترجمت نفسها إلى أفعال مسيئة لسمعة اليمن، تارة باعتصامات أمام أبواب السفارة، وتارة أخرى ببيانات وأخبار يتم توزيعها على وسائل الإعلام الداخلية، فيما ظلت النفوس المشحونة بالانفعالات تقطع الطريق على أية مبادرة من أبناء الجاليات للترويج لبلدهم، والتفاخر بحضارتهم. يوم أمس الأول الخميس تألق أبناؤنا الطلاب الدارسون في ماليزيا من خلال معرض رائع أقاموه على هامش المهرجان السنوي للجامعة الإسلامية الماليزية في كوالالمبور .. غير أن المفارقة أننا عندما بحثنا عمن قام بتمويل المعرض - الذي عملوا فيه حتى «العشش» التهامية - اكتشفنا أن الطلاب الذين كانوا قبل أسبوعين تتوعدهم الجامعات الماليزية بالطرد بسبب تأخر الملحقية عن دفع الرسوم لم يبخلوا على وطنهم شيئاً، فتبرع كل منهم بما استطاع وقدموا معرضاً تم تقييمه بالأكثر تميزاً بين معارض كل الدول الأخرى التي أنفقت عليها بلدانها مبالغ طائلة، في الوقت الذي كانت مساهمة الملحقية اليمنية لا تزيد بكثير عما قدمه كل طالب. وهنا نتساءل : ياترى عندما يتحول الوطن إلى دم في عروق أبنائنا المغتربين، ألا يستحقون حضناً دافئاً من الدولة يشدهم بقوة، ويبادلهم الحب بالرعاية الحكومية ؟!