ها هي قضية المصالحة العربية تحظى بأولوية الاهتمام من قبل الدول العربية بهدف تجاوز الانقسام بين من يوصفون بالدول المعتدلة ومن يوصفون بالدول الممانعة، وكذلك الانقسام بين القوى الفلسطينية وفي صدارتهما حماس وحلفاؤها كطرف محسوب على دول الممانعة العربية وفتح وحلفاؤها المحسوبون على الدول المعتدلة. ومعلوم للجميع أن الولاياتالمتحدة تدعم ما يسمى بالمعتدلين وبالمقابل تدعم إيران ما يسمى بالدول أو القوى الممانعة. فبروز الدور الإيراني في المنطقة جعل الانقسام يبدو وكأنه يرتدي لباساً مذهبياً أي بين المسلمين شيعة وسنة أو هكذا أرادت له القوى الصهيونية في العالم. وكأي قضية أخرى فإن نجاح المصالحة العربية مرهون بدقة تشخيص وتحديد أسباب الانقسام المباشرة وغير المباشرة بموضوعية وبعيداً عن الأفكار المسبقة والعاطفية. فأهم أسباب الانقسام اختلاف المواقف تجاه القضية الفلسطينية ونتيجة لازدواجية المعايير الأمريكية الدولية تجاه القضايا العربية والإسلامية. فالدول العربية من حيث المبدأ لا تختلف حول الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحول مشروع السلام ويكفي أنهم أصحاب مبادرة السلام العربية بالاجماع إلا أنهم ينطلقون في وضع سياساتهم من زاويتين مختلفتين، فالمعتدلون يعتقدون أن الحل بيد أمريكا ويعتمدون في ذلك على المبادئ العلمانية التي تقوم عليها الشرعية الدولية، بينما الممانعون يتبنون سياسة مضادة لسياسة الكيان الصهيوني ويعتمدون على الأدبيات والمرجعيات الدينية مثلما يفعل الكيان الصهيوني. أما الولاياتالمتحدة فتعتمد في تحديد مواقفها وسياساتها تجاه كافة القضايا الدولية غير العربية وغير الإسلامية على المنطق والمرجعيات العلمانية، لكنها في قضايا الشرق الأوسط العربية والإسلامية على تعتمد على نفس المرجعيات الدينية التي يعتمدها الكيان الصهيوني، وأية أفكار يتقدم بها العرب كمبادرة السلام أو أية مقترحات تعلنها الولاياتالمتحدة مهما حظيت باتفاق عربي أمريكي فإنها تفشل بسبب رفض الكيان الصهيوني لها مبدئياً أو حتى بعد التوصل إلى اتفاقيات في مفاوضات التسوية حيث يتنكر لها وينقضها الكيان الصهيوني دون أن يجد معارضة أمريكية أو عربية. والنتيجة فشل مفاوضات السلام وسياسة الاعتدال العلمانية في قضية فلسطين، بينما نجحت قوى المقاومة في التصدي للعدوان الصهيوني مرة في جنوبلبنان ومرة أخرى في قطاع غزة، وهذه النتيجة هي التي فرضت الحاجة إلى قيام المصالحة العربية واضطرت إدارة البيت الأبيض ورئيسه أوباما إلى إعادة النظر في سياساته تجاه سورية وإيران وتجاه قوى الممانعة عموماً. ولكي تنجح المصالحة العربية وتتأكد سياسة التغيير الأمريكية لابد للعرب خاصة والمسلمين عامة أن يعتمدوا على سياسة تجاه أمريكا وبقية دول العالم، وسياسة أخرى تجاه الكيان الصهيوني لضمان الفصل بين العلاقة بالكيان الصهيوني والعلاقة بالولاياتالمتحدة عندئذ يتجاوز العرب حالة الانقسام ويزول كذلك الخلاف بين المسلمين شيعة وسنة.. وفي مثل هذه الحالة لايمكن أن تستمر أمريكا في الكيل بمكيالين، فإما أن تكون محايدة وتعتمد معياراً واحداً في القضايا الدولية وقضايا الشرق الأوسط، وإما أن تمضي في سياسة دعم الصهاينة فتعادي جميع دول العالم. والمهم عدم انتظار التغييرات الأمريكية وإنما أن يبادر العرب والمسلمون إلى تجاوز خلافاتهم وبلورة سياسات تدفع في اتجاه يضمن مصالحهم وحقوقهم. وبالله التوفيق