شكلت الأرض منذ قدم التاريخ محور صراع البشرية، غير أنها في التاريخ الفلسطيني مثلت كل القضية، لأنها تجاوزت حدود المصادر الجزئية إلى محاولة الإلغاء التاريخي والحضاري والإنساني وطمس كل معالم الهوية الفلسطينية.. فمشكلة الأرض في فلسطين هي حق في الوجود تنازعه رغبة في الفناء. في 1972م أقدمت سلطات الكيان الصهيوني على مصادرة آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين خاصة في مناطق الجليل، ثم ألحقتها عام 1976م بمصادرة مايزيد عن «21»ألف دونم.. ويومها أدرك الفلسطينيون أن لا مناص لهم من الانتفاض بوجه مخططات التجريد من أية ملكية ومصادرة حق الوجود على أرض الوطن بعد تهويد «الجليل». ولأول مرة منذ نكبة 1948م اشتعلت كل المدن الفلسطينية بالمظاهرات العارمة، وفي آن واحد احتجاجاً على السياسة الاستيطانية..فما كان من الكيان الصهيوني إلا الرد بعنف عسكري شديد، واقتحام القرى الفلسطينية بالدبابات، فاستشهد يومها ستة شهداء بينهم «السيدة «خديجة شواهنة».. في نفس الوقت الذي عمّ الاضراب حتى المدن الفلسطينيةالمحتلة عام 1948م فكان حقاً لشعبنا الفلسطيني أن يتخذ ذلك اليوم «30 مارس» مناسبة وطنية أطلق عليها «يوم الأرض». ولكي لا ينسى أجيالنا هذا اليوم حرصت كل عام على التذكير بالقصة، والأمر لم يكتسب عظمته من التاريخ الفلسطيني من مجرد كونه انتفاضة بوجه غاصب، بقدر كونه يمثل فاصلاً استراتيجياً في تاريخ النضال الفلسطيني، كونه نقله من حالته الفردية إلى نطاقه الشعبي العام الذي تتداعى إليه مختلف المدن والقرى الوطنية الفلسطينية، فيشل كل مرافق الحياة، ويقحم قوات العدو في مواجهة شعبية لا قبيل لأحد بقهرها أو تحدّيها، لأنها أمام أحد خيارين: الفناء أو الوجود. يوم الأرض في نظر الجميع ساهم على نحو كبير ومباشر في ترسيخ وحدة الصف الفلسطيني في الداخل على مختلف المستويات الجماهيرية بعد أن كان في كثير من الأحيان في الماضي يخوض نضاله بصفة فردية أو فئوية محدودة النطاق، الأمر الذي استنهض همم كل الفلسطينيين حتى أولئك الذين كانوا قد استكانوا لدبابات وطائرات الاحتلال في 1948م وما بعدها. اليوم ونحن نستذكر «يوم الأرض» قد نتذكر الكثير من المفردات المؤلمة التي قاساها شعبنا الفلسطيني، غير أن الأهم هو أن نستلهم تفاصيل ثقافة الصمود والمقاومة التي مارسها الفلسطينيون وهم يستقبلون نيران الاحتلال بصدورهم من أجل أن تبقى الأرض وطناً لأجيال فلسطينية لاحقة. ومن ذلك المنطلق تتجسد قيمة الأرض، ومعنى إحياء يوم الصمود الفلسطيني الذي كتب أعظم رسالة للإنسانية جمعاء، وهي أن الشعوب تبقى حية، تتوالد الأجيال طالما أوطانها باقية، أما حين تفقد الأوطان فتتحول إلى شتات لا يحمل اسماً، أو عنواناً، أو أي تاريخ يستحق الكتابة.. فلنعض جميعاً بالنواجذ على أوطاننا، فقد علمنا الفلسطينيون أنها تستحق بذل الدماء والأرواح لأجلها.