فخامة الرئيس.. لقد وصل الإهمال والتسيب إلى حد لم يعد خافياً على أحد، ولن أتحدث عن التعليم والصحة ورغيف الخبز، فيقيناً يصلك من أمر ذلك كله من التقارير ما يقلقك على مستقبل اليمن التي حملت رأسك على يديك من أجلها يوماً من الأيام الماضية.. ولعلك يا فخامة الرئيس تدرك أن كل البلاد التي شرفت بزيارتك لها لم يمتد فيها مجلس النواب لمدة ثماني سنوات. فالناس هناك يعرفون تداول البرلمان، ويعرفون أن ذلك خير كبير، ويعرفون أن احترام الدستور هو علامة من علامات الديمقراطية الحقيقية. وسيقول البعض: إن تأجيل الانتخابات الأخيرة إنما يجنّب البلاد مخاطر الأزمات؛ وهي تأتي وفق شرعية المادة «65» من الدستور. وأنا واثق أنك تعلم قبل غيرك أن هذه المادة تنص على وجود ظروف قاهرة، وهي غير موجودة في ظروف اليمن الراهنة. وأنا أعرف ما أقول وأتحمل مسئوليته، لأن الظروف القاهرة حسب تعريف الدساتير المختلفة تعني انعدام الاستقرار، وما تم يعد نوعاً من المسرحيات الهزلية التي سعى إليها اللقاء المشترك. وسأكون يا فخامة الرئيس - من أجل اليمن - صريحاً معك إلى أبعد حدود الصراحة، إن تأجيل الانتخابات ولمدة سنتين يعد خطراً حقيقياً على الديمقراطية؛ خاصة أن الاتفاق جاء مبهماً في ثلاثة أسطر لا غير. وأنا أصدقك القول إن تأجيل الانتخابات لهذه المدة يراه الشعب اليمني التفافاً على الديمقراطية، هذه حقيقة لن يجرؤ كثيرون - ولا حتى قليلون - على أن يقولوها لفخامتك؛ ولكن من أجل اليمن أقولها. وأنا واثق أنه لن يسعدك أن تنتهي فترة السنتين والاتفاق مازال يراوح مكانه؛ غير أنه سيكون قد أضاف عبئاً جديداً، وسيساعد ذلك بعض القوى على امتطاء صهوة المادة «65» والتي فُسّرت بطريقة خاطئة. وإذا كان الأمر كذلك؛ فما البديل؟!. البديل هو خلق تراكم سياسي واستنهاض وعي جماعي يضع حداً للمتاجرة في قيم الديمقراطية، وهذا بحد ذاته يلفت إلى بديل آخر، هو سحب هذه الاتفاقية قبل 27 أبريل بالتوافق مع اللقاء المشترك، وإعداد خطة بديلة لا تتجاوز الستة الأشهر يتم فيها إقرار التعديلات الدستورية. وبيدك أنت وحدك أن توجّه الأمور وجهة أخرى، هي في تقديري وتقدير من يفكرون في اليمن ويحبون اليمن ولا ينظرون في أجيابهم ولا في الكراسي التي يجلسون عليها، هي وجهة السلامة والأمان. إن السلطة والمعارضة - وهما طرفا الاتفاق - مطالبتان بقراءة المرحلة وحساسيتها الأمر الذي يفرض عليهما الدخول في الانتخابات وعمل إصلاحات خلال الأربع السنوات القادمة، وعليهما ادراك ان الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار مشروع وطني واضح المعالم يحتل الوطن صدارته. وعلى الأحزاب السياسية أن تتعلم ذلك من تجارب الأمم والشعوب، وأن تعمل ذلك بمسؤولية بهدف بلورة إرادة سياسية واجتماعية واعية من أجل الإصلاح والتغيير والتجديد. وهنا أقترح تشكيل لجنة من المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك والمجلس الوطني للمعارضة ومنظمات المجتمع المدني لوضع مشروع استكمال اجراءات الانتخابات يقوم على مبدأ أساسي هو الدولة المدنية الديمقراطية التي تتساوى فيها كل القوى وفق الاتفاق الأخير؛ ولكن ستة أشهر وليس سنتين. ونحن على ثقة بأن ذلك إذا تم فإن اليمن اليوم وغداً وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ستضعك في حدقات عيونها وفي قلوب أبنائها وفي أنصع موضع من تاريخها. إن سعة صدرك وحبك لسماع كل الآراء هو الذي دفعني إلى تجاوز حدودي من أجل اليمن. إن التحول الديمقراطي لا يأتي نتيجة للتأجيل والتمديد؛ وإنما يأتي نتيجة لمزيد من المشاركة، ونتيجة لتفعيل وترشيد الأحزاب لمهامها وأدوارها السياسية والاجتماعية، والقيام بوظائف التربية والتكوين والتثقيف والتنشئة على الديمقراطية، فالانتقال نحو المجتمع الديمقراطي يعني مزيداً من المشاركة وليس التأجيل. فخامة الرئيس.. لقد عملت من أجل اليمن الكثير، ولم يبق إلا أن تنقذ الديمقراطية، فاليمن تستحق الكثير. توكل على الله، وسيكون الله معك، وسيكون الشعب كله بحق معك، والديمقراطية في صفك.