هذه دعوة لا نتوقف ولا نمل من تكرارها من أجل حث المستثمرين - خصوصاً العائدين إلى الوطن من المغتربين - لإقامة مشاريع استثمارية صغيرة أو كبيرة بشكل منفرد أو جماعي.. فمثل هذه المشاريع تحقق للوطن فوائد جمة، فهي ترفد الاقتصاد وتعضد التنمية وتفتح مجالات جديدة للشباب لأن يجدوا فرص عمل، فتخف البطالة وتزدهر الحياة فتتحسن الأخلاق ويعتدل المزاج. كنا نتمنى على الإخوة العائدين من المهجر العربي أو الأمريكاني أن ينقلوا إلى بلادهم أفكاراً جديدة ورؤى متعددة عن الأنشطة الحرفية اليدوية التي تحتاج إلى مهارات عقلية وذهنية حتى نستطيع من خلال ذلك تطوير ما هو موجود من الحرف والأنشطة اليدوية.. بحيث تتاح أمام الشباب فرص الإبداع لتحسين ما بأيديهم من حرف، ورفع درجة جودتها إلى حيث تصبح سلعاً مميزة راقية تؤكد قدرة اليمنيين على الإبداع والتطور للحرف اليدوية، وتحمل بصماتهم الإبداعية إلى البلدان المجاورة وبلدان أخرى في آسيا وأفريقيا وأوروبا. ولأن الفقر والبطالة يكمن فيهما تعكر المزاج وسوء الأخلاق؛ فإن ما نراه اليوم من سيئ السلوك وتجهم الوجوه ولا مبالاة بالآخر هو في حقيقة الأمر عرض من أعراض مرض الفقر والبطالة. وإذا أردنا أن نصلح واقعنا علينا أولاً تشخيص أمراضه.. ونحن لا نشك مطلقاً في أن طبيعة العمل للشباب فوق الدراجات النارية طوال النهار معرضين أنفسهم لشتى المخاطر في احتمال وقوع حوادث لهم فيصابون أو يصاب من يشاركهم ركوب الدراجة النارية، بالإضافة إلى الإرهاق المتواصل، حيث يجد الواحد منهم نفسه مشدوداً بأعصابه وسمعه وبصره إلى من هم حوله وإلى من هم أمامه أو خلفه وعن يمينه وشماله في شد متواصل لعضلات الجسم وتوتر لعضلات القلب والمخ والمرارة. هؤلاء الشباب فوق الدراجات النارية يشعرون أنهم في معمعة أو في معركة مع الحياة ومع الواقع ومع المعيشة، معركة فيها أبواب الاحتمالات كلها مفتوحة أمامهم. ومن أهم الاحتمالات المتوقعة أن يتعرض الواحد منهم لحادث في أية لحظة يلقى فيه حتفه، أو يتم نقله إلى قسم الإسعاف مصاباً بجروح تتفاوت درجة إصابته بها. من الاحتمالات الواردة في ذهنه أيضاً أن يتسبب هو نفسه في حادث يذهب ضحيته طفل أو شيخ أو امرأة أو من شئت من المارة؛ فيكون ذلك سبباً في دخوله السجن وربما لا يستطيع الخروج من السجن إذا تسبب في موت أحد، إلا إذا دفع دية القتيل أو معالجة المصاب. ثم نحن نريد من أمثال هؤلاء أن يتحلوا بالأخلاق الفاضلة والسلوك القويم والمعاملة الحسنة!!.. فمن أين لهم أن يأتوا بهذه الصفات؟!. إنها أمور لا تشترى من الأسواق، ولا حتى يستطيع أن يفرضها مدير الأمن ولا مدير المرور بكل ما لديهما من ضباط وعساكر، ولا يستطيع ذلك قاضي القضاة، ولا رئيس النيابة، ولا مدير شرطة الجحملية أو شرطة المدينة في وسطها أو في أطرافها. إنها قضية يحسمها الإنسان صاحب الشأن نفسه، فهؤلاء الشبان الذين نراهم يتمايلون ويتقصعون ويعبثون ويلهون فوق الدراجات النارية ليسوا أكثر من حالات مرضية أوصلتهم إليها شعورهم بأنهم مهملون ولا طريق آخر أمامهم سوى الدراجات النارية. وإنما عليهم أن يشقُّوا مستقبلهم في الصخر الصلب بأظافرهم وأسنانهم، وإن استطاعوا أن تكون لهم مخالب وأنياب فلا مانع من استعمالها في التعامل مع أفراد المجتمع. إنه لم يجد سوى هذه الدراجة النارية التي هو يعلم في قرارة نفسه أنه سيأتي يوم عليه يكون فيه في عداد القتلى أو المصابين، فإن لم يكن هو المصاب أو القتيل فهو المتسبب في قتل آخر أو إصابته. بالله عليكم: هذا الذي يعود من الخليج والسعودية أو من أمريكا وفي جيبه ما فيه من النقد المالي يكفي لإقامة مشروع يكسب منه ويفيد وطنه منه ويستفيد الكثيرون من العاطلين، فلا يتفتق ذهنه سوى عن فتح بقالة أو سوبر ماركت أو يجد من يغريه بشراء مائة دراجة أو خمسين أو عشرين لتأجيرها على الشباب، لكي يضيف مشكلة جديدة إلى مشكلة الزحام، وأعباء لا تطاق على المرور وعلى المواطن والبيئة وعلى الأخلاق والذوق!! وهو مع هذا كله يظن أنه قد صار من أبطال المستثمرين، ولا يخطر بباله أن الذين سلّمهم الدراجات النارية قد تتسبب في إيذائهم بتحويلهم إلى أشباح آدمية، يجوبون أرجاء المدينة يجمعون له أجرة آلاته الحديدية الكئيبة التي يطوفون بها أرجاء المدينة على حساب راحتهم وعلى حساب أخلاقهم وشعورهم بالخطر يحدق بهم في كل لحظة. ماذا كان على أمثال هؤلاء العائدين إلى أوطانهم أو هؤلاء الذين يرغبون في الاستثمار من المقيمين، ماذا كان عليهم لو أقاموا مشاريع صناعية وحرفية يدوية وأنشطة أخرى عديدة تستقطب كل الشباب الذين لم يجدوا خياراً آخر يسمح لهم بالعمل غير هذه الدراجات القاتلة؟!.