من المتفق عليه أنه عندما يصبح الإنسان متديناً صادق الاتباع والانتماء إلى الدين وليس إلى الأشخاص والحركات والأحزاب تسمو أخلاقه ويترفع عن المظالم.. مثلما يبتعد كلياً عن الحقد والكراهية والخديعة والكذب، يزرع ويتمثل حيثما وجد لغة وثقافة التسامح والتراحم، شعاره الدائم الإيمان بالله طريقنا إلى المحبة والتعايش بسلام. أُبتلي المجتمع الإسلامي على مر العصور وحتى يومنا هذا بتدين العاطفة ومحاربة العقل وضموره والتقليل من شأنه، مما جعل المسلم المتدين فريسة سهلة لدعاة العنف وحركات التدمير والتخريب. وأصبح الخطاب الإسلامي المشحون بالعنف والعدائية ضد الذات والآخر هو الغالب والمسموح عند جماهير المسلمين نظراً لتضخم العاطفة السلبية لديهم والتربية التي همشت العقل وعظمت من الاتباع الأعمى. خطابنا الإسلامي المعاصر لم يُعر دعوة القرآن الكريم والسنة المطهرة إلى الخيرية والتسامح والتراحم والتعايش الآمن اهتماماً. حيث اعتقد البعض أن الدين الإسلامي قد جاء ليسوق البشرية إلى الصراع والصدام والتهالك، أو الاتباع والتسليم دون تفكير أو مراجعة. تلك آفة الجهل بالإسلام وقيمه ومعتقداته ومقاصد تشريعه، والسبب في تلك المعضلة هو الوعي الاجتماعي القائم على الخطاب القاصر الذي يركز جُل همه في توجيه العاطفة لتنتج كراهية وحقداً وتباغضاً وصراعاً لا ينتهي. لابد من بلورة خطاب إسلامي متزن بقيم الخير والعدالة والمساواة وحماية الحريات الخاصة والعامة، وإعلاء دور العقل والتفكير والإبداع. وعدم تركه لأوصياء ومتعهدين أفرغوه من قيمه وحولوه إلى سلعة تحت الطلب، همهم منه ضمان مصالحهم وتمويل تكاليف اتباعهم الأوفياء الذين يصل بهم الاتباع الأعمى حد الانتحار. لأن ما يمارسه الإرهابيون الجدد من جرائم وفظائع وفضائح إلا دليل واضح على أزمة ذلك الخطاب القائم على العاطفة الهوجاء والعنف المجنون. تهييج العاطفة الإسلامية على حساب العقل والتفكير المتزن أحدث الكارثة التي لم تكن بالحسبان، وأثبت دون شك أن جحافل العلماء وأصحاب رؤوس الأموال وبعض الدول والحكومات التي كانت وراء تهميش العقلية المسلمة ومحاربتها مرة بالابتداع ومرة بالتكفير، وأخرى بالتهديد والتصفية، واعتبار التفكير والإبداع جريمة وخروجاً على الجماعة. أثبت ذلك كله أن الأمة قد أهدرت عقوداً وقروناً من عطائها الإنساني وإضافاتها المطلوبة، وتركت الساحة لغيرها، ذاهبة خلف خطاب متأزم يأكل بعضه بعضاً. خطابنا الإسلامي المعاصر بحاجة إلى تجديد جوهري يعيد إليه توهج العقل واتزان العاطفة، يتمثل الوسطية والمرونة والاعتدال فكراً وممارسة، يعبد طرق التثاقف والتحاور مع الذات والآخر بلغة المحبة والرحمة والسلام، ينبذ العنف ولا يعترف بوجوده. آيات الرحمة والمحبة والتفكير والحوار والدعوة إلى الحكمة والموعظة الحسنة وإصلاح الحياة الاجتماعية، وبناء جسور المعروف مع المتفق والمختلف معهم على السواء، تلك الآيات هي الغالبة والمهيمنة في كتاب الله الكريم، من أول آية دعت إلى القراءة والمعرفة واكتشاف قواسم الخير والتعايش الإنساني وتقويتها إلى آخر آية تبشر باكتمال الدين، وتمام النعمة. فلماذا نحيل المعرفة إلى جهل، والنعمة إلى نقمة، والسلام إلى عنف، ألا يجدر بخطابنا الإسلامي أن يخرج من أزمته تلك؟!.