التأكيد على قدسية الوحدة لاينفي حقيقة وجود التعدد المجتمعي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وهو في كل الأحوال تعدد نسبي في إطار الوحدة، وهو محمي ومؤطر بنصوص دستورية واضحة وصريحة تضمن ممارسته وتقننه. ولعل أبرز هذه الضمانات هو ما نص عليه الدستور في المادة الرابعة منه والتي تنص على أن «يقوم النظام السياسي للجمهورية اليمنية على التعددية السياسية والحزبية بهدف التداول السلمي للسلطة..» والغريب بل والعجيب أن نكتشف ونحن في رحاب الألفية الثالثة وبعد بلوغ الوحدة اليمنية سن الرشد أن هناك من لا تزال تعشعش في ذهنه أفكار شمولية ماضوية عفى عليها الزمن وتجاوزها العصر وثبت فشلها على كل المستويات وبكل المقاييس، هذه الأفكار تتمثل بالرغبة في اختزال واختصار التعدد في النموذج الواحد أو الأحادي وما لم يتحقق له هذا المطلب فلا معنى ولا قيمة للوحدة. هذا التفكير الكياني العقيم جعل أصحابه يذهبون إلى الاجتهاد في تغيير حقائق التاريخ والإدعاء بأننا وطنيون وشعبيون مختلفون.. لايوجد فيما بيننا مايجمعنا أو يوحدنا.. هذا الانكار لحقيقة أننا شعب واحد موحد في الإطار والهوية ومتعدد في الرؤى والاتجاهات الفكرية بل وحتى في المصالح المادية، هذا الانكار مدفوع أو مصحوب بنهم شديد للعودة إلى ممارسة التسلط الذي لايمكن أن تتحقق في ظله الوحدة كما لايمكن أن تتحقق في ظله التعددية، والنتيجة استحالة أن تمارس الديمقراطية كمنهج وأسلوب حياة في الدولة والمجتمع وهو الخيار الذي ارتضاه شعبنا ووضع لبناته الأولى بالنضال الوطني لقيام الثورة اليمنية وتأصيلها ضمن أهدافها المجيدة. ونود الإشارة إلى من لا يدرك هذه الحقيقة أو يتجاهلها ويحاول تجهيل الآخرين بها أن الهدف الحقيقي للثورة كان يتجاوز مجرد قيام نظامين سياسيين في الشطرين بعد التخلص من الإمامة والاستعمار إلى قيام الوحدة اليمنية الفورية والمباشرة بعد قيام الثورة دون شروط ومفاوضات، ولذلك أسموها بالوحدة الوطنية كتعبير عن الاتصال الوثيق والعميق بالوطن إلا أن الإعاقة حدثت بفعل التباين السياسي في كلا الشطرين والذي أخذ وقته ومداه وصولاً إلى الإقرار بالحقيقة والتي مابعدها إلا الضلال. *متخصص في التعددية السياسية والاإصلاح الديمقراطي.