في عجالة من أمره قد ينسى الإنسان نفسه رهينة لهذه الدنيا ومشاغلها وكدها ونكدها، وحين تأتي عليه لحظة من عمر الزمن يشعر بالتعب ويعتريه الوهن وربما يشكو المرض. فنحن لانعطي لأجسادنا حق الراحة ولأرواحنا حق الارتياح.. لأنه وكما أن للجسد وقتاً يرتاح فيه فإن للروح كذلك حقاً في أخذ قسط من الراحة فلربما ينام الإنسان طويلاً لكن تبقى روحه بلا ارتياح، ذلك لأن للروح طرقاً للاسترخاء «وحذف» المتراكم من رسائل الحياة السلبية والكثير من تراكمات العادات المعتقة التي يعيش الإنسان في معيتها سنين. من هذه الرسائل السلبية انتشار أساليب الغش في المدارس وهذه الأيام التي نعيشها هي موسم لها.. فكما تتعدد الفواكه في فصل الصيف هذا تتعدد أنواع الغش ابتداءً بغش النفس بإهداء المعلمين والمعلمات هدايا ذات قيمة باهظة والعتب على من يقبل أكثر منه على من يقدم.. والأكثر عتباً على فئة من المعلمين والمعلمات الذين يطلبون الهدايا بأنفسهم بل ويتباهون بها أمام الطلبة والطالبات لحثهم على تقديم الأغلى والأفضل، غير آبهين بصورتهم المشروخة أمام الطلبة وغير مبالين بما سيقدم عليه هؤلاء الأولاد والبنات من الضغط على الأهل لأجل تحقيق مراد معلميهم، ومن يدري ربما يسرقون من بيوتهم أشياء خلسة ليهدوها إلى جيل هابط من المعلمين والمعلمات لايقل ترويجهم للفساد عن ترويج أصحاب الفساد أنفسهم. تعمدت أن أسميها هدايا.. هل تعلمون لماذا؟! لأن عقلي إلى هذه اللحظة لايستوعب أن معلماً ومعلمة يطلبان إلى طلابهم دفع رشاوى.. لأن الأصل في الرشوة أن تدفع خلسة عن الناس لسوء وقعها على أنفس الذين لايؤمنون بها وسوء أثرها على من يؤمنون بها.. وما مضى من الحديث يتبعه الجزء الأهم وهو الغش الفكري وأقصد به الغش في المعلومات التي تدخل إلى عقول هؤلاء الطلبة والطالبات ووقوف بعض المعلمين والمعلمات إشارة مرور لا تحمل إلا اللون الأخضر أمام مهزلة لو كانت حسمت لما كان نتاجها هذا الجيل المغشوش فكرياً وقيمياً ونفسياً من معلمين ومعلمات يفسدون أولادنا وبناتنا، بل ويفسدون صورة الغد الجميلة التي لاتفارق مخيلاتنا.. نمنا أو استيقظنا. وعلى الوجه الآخر لورقة التعليم تجد معلمين ومعلمات يخافون أن تتلبد سماء العلم بالغيوم.. أو تلفح وجوه أولادنا نار الجهل.. أو تُظْلم صورة اليمن في أعين العالم.. يجتهدون في إعطاء العلم اجتهاد من يصنع عقاراً لوباء خبيث.. بل يعطون أعمارهم هكذا هبة لخدمة العلم.. يبدأون تعليم القيم للأطفال حرفاً حرفاً.. يحرصون على اتخاذ رسولهم الكريم «صلى الله عليه وسلم» قدوة حية أمامهم.. يعلمون أنهم بإخلاصهم هذا يبنون مجداً لأنفسهم ويفتحون سبلاً لماء الوفاء يسير رقراقاً في جداول حياتهم.. لايبتغون من هذا شيئاً إلا مصلحة العلم وطالب العلم بعد وجه الله الكريم وإذا لمسوا من بعضهم تقصيراً أو لمحوا من الآخرين تمريراً لضربات «جزاء» موجعة يفتعلها مرضى النفوس اكتفوا بالاجتهاد أكثر لكسر قاعدة الشواذ وطرحها أرضاً تحت أقدام الباحثين عن العلم النظيف الطاهر.. ودمتم مخلصين.