لم أجد مثل الجهل ظالماً، ولم أجد مايضاهي الجهل تجنياً للحقيقة أو نقول تجنياً على الحقيقة . فالحقيقة تقول: إن أمتنا الإسلامية قد بدأت مسيرة التخلف منذ أن أغلقت أمام نفسها أبواب العلم والمعرفة، فكان لابد أن تعيش في الظلام منذ ذلك التاريخ، وبدلاً من التركيز على إعادة العلم إلى بؤرة اهتمامنا، لكي تكون انطلاقتنا في النهوض من حال الضعف والركود إلى آفاق القوة والإبداع مبنية على أسس علمية نستقيها من تاريخنا وتراثنا الذي كان ذات يوم يحمل للإنسانية كلها أرقى معاني المعرفة وأكثرها سموا واشراقاً، لولا أن أوروبا تنكرت لها وأنكرت حدوثها. لكن المنصفين من علماء أوروبا من كل النِّحل والاطياف، لم يسعهم إلا الاعتراف بفضل الحضارة الاسلامية وتأثيرها المشرق على النهضة الأوروبية.. بدلاً من التركيز على إعادة العلم إلى بؤرة اهتمامنا، أخذنا نقتفي قشور الثقافة الأوروبية بدلاً عن اقتفاء أثر الأسباب المشرقة للنهضة الإسلامية ثم الاستفادة من نهضة أوروبا المعاصرة.. فليس حراماً ولا إثماً أن نتعلم منهم الرياضيات والفيزياء وكل الفنون في ميادين المعرفة التي أوصلتهم إلى أن يتقنوا صناعة الدبابة والطائرة والصاروخ والجزمة والإبرة وسرج الخيل وبردعة الحمار وسماعة الطبيب والمشرط الطبي وأشعة الليزر وصناعة الأجهزة الطبية وصناعة اللقاحات وغيرها من فنون العلم في كل مجالات الحياة.. فإذا بنا نترك كل ذلك ونزعم أننا «متحضرون»!! لأننا نقلد الأوروبيين في رقصهم ونقيم دوراً للهو وننادي بحرية الابتذال وترك الاطفال في البيت لرعاية «الأب» الذي يجب أن يأخذ مكان زوجته في تربية الاطفال وتخرج هي تبحث عن عمل تكسب منه رزقها ورزق زوجها وأبنائها. هذه صورة من صور الحياة الأوروبية التي يقابلها مئات الصور غيرها.. فلماذا لانقتفي أثر العلماء والمبدعين الأوروبيين من الذكور والإناث؟؟ أليست هناك نساء أوروبيات مبدعات في مجال العلوم والرياضيات.. فلماذا لانجد ناشطات عربيات ويمنيات يقلدن المبدعات الأوروبيات في المجالات المختلفة للعلوم الطبية والتمريضية بينما نجدهن يقلدن المرأة الأوروبية في الدعوة إلى الحرية المنفلتة، وكذلك الأمر بالنسبة للرجال الذين نجدهم لايتركون تافهاً عارضاً في حياة الأوروبيين إلا والتصقوا به ولا يرون علماً حقيقياً يحتاج جهداً وعناء إلا هربوا منه إلى ماهو أسهل وأقل فائدة وأتفه غاية. عُرف عن النبي صلى الله عليه وسلم التداوي بالعسل والتمر والحجامة والأعشاب الطبيعية، وغيرها مما عرف ب «الطب النبوي» ولم يكن ذلك كل شيء فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التداوي فقال: «تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهرم». ثم جاء من أبناء هذه الأمة من يسخر من التداوي بالأعشاب وبالحجامة وبالتمر والعسل!!! ولكن متى جاء هؤلاء الساخرون من تاريخهم وتراثهم؟؟ جاءوا في عصور الانحطاط منذ أن تغلغلت أفكار الغرب الهدامة في عقول أبناء هذه الأمة منذ الاجتياح الأوروبي للبلدان والشعوب الإسلامية من اندونيسيا شرقاً إلى السنغال غرباً.. جاء المحتلون الأوروبيون من كل أنحاء القارة الأوروبية يحملون في رؤوسهم بذور الحقد والكراهية للإسلام الذي لم تكن دعوته تحمل في طياته سوى المحبة للإنسان وانقاذه من شرور نفسه ومن سيئات أعماله وإخراجه من عبادة الإنسان إلى عبادة الله الواحد الأحد.. وليس مطلوباً من الإنسان أكثر من ذلك.. لكن الأوروبيين شوهوا العقيدة الإسلامية باصطناعهم من المسلمين من يمارس الظلم والانحراف بكل أنواعه واصطنعوا العملاء لتشويه تاريخ المسلمين وتراثهم فجاء من المسلمين أنفسهم من يسخر من الطب النبوي حتى جاءت العلوم الأوروبية الحديثة لتؤكد أهمية الحجامة للإنسان وتؤكد فوائد التمر والعسل وحبة البركة والأعشاب الطبيعية.. فعاد الساخرون منها بالأمس يلتمسون عندها الشفاء فوجدوا فيها من الفائدة والمنفعة مالم يجدوها في كل العقاقير والمستحضرات الطبية.. ولو كنا نقرأ تاريخنا لوجدنا أن علماء المسلمين لم يقفوا عند حدود الطب النبوي «مع إيمانهم وقناعتهم بنفعه وبركته».. بل أدركوا منذ وقت مبكر أن العلوم الدنيوية والطب أحدها تحتاج إلى دوام البحث والنظر والوقوف على ما عند الأمم الأخرى منها، وذلك تطبيقاً لهدى الإسلام الدافع للاستزادة من كل ماهو نافع ومفيد. بالله عليكم يامعشر الشباب ومعشر المفكرين والمثقفين: أي العصور ترونه مشرقاً وناهضاً ومزدهراً؟ عصر ابن سينا وابن النفيس وابن الهيثم والفارابي أم عصر الجامعات الهزيلة والمدارس الركيكة في كل العوالم العربية والإسلامية التي توقفت عن إنتاج العلماء وأفسحت المجال للفضائيات تسمم العقول وتعطل الأذواق وتميت الهمم وتقتل الابداع؟.