يبدو أن التنبه المبكر الذي يطلقه الكُتّاب والمفكرون لا يلقى عيوناً بصيرة ولا آذاناً صاغية ولا عقولاً مفتوحة ولا بصيرة مدركة، وربما أن كل هذا موجود وأن تنبيهات المفكرين والكتاب قد وصلت، ولكن قدمت لها قراءات استعراضية غير موفقة وانتقصت من أهمية ما طُرح وقللت من أهمية مضمون تلك التنبيهات. ولعلي أذكر هنا أن العديد من الكتابات قد طرحت أهمية التركيز على التربية الوطنية وغرس الفكر الوحدوي والولاء الوطني في أذهان وعقول الشباب والنشء، وأذكر أنني شخصياً طرحت هذا الموضوع بعناية مطلقة من أكثر من محور وفي أكثر من محاضرة وأكثر من ندوة وأكثر من لقاء وكان الرد عليّ من البعض "الوحدة في قلوبنا"، ورغم ذلك إلا أنني لم أسكت عن ذلك وسخرت قلمي من أجل ذلك وسيظل كذلك بإذن الله. إن حالة السكوت التي مارسها البعض وخصوصاً الأجهزة المعنية بتربية النشء أعطت الفرصة لصناع الفتنة والفرقة ففي بعض المديريات غرسوا الفكر المذهبي المنحرف وفي مديريات بعض المحافظات حاولوا غرس الفكر الانفصالي. وقد أفزعني أحد المتحدثين في الفضائية اليمنية وهو يقول: إن بعض المدرسين يروجون للانفصال ويغررون بالشباب جيل الوحدة الذي لم يدرك آلام ومآسي التشطير ويقولون له "الانفصال سيوفر لك الثقة والمأكل والمشرب" ويعلم الله ما قالوه أيضاً لإفساد عقول الشباب المراهقين، الأمر الذي دفعهم الخروج إلى الشارع بتلك الصورة المثيرة لأولياء أمورهم العقلاء الذين عانوا مرارة التشطير وذاقوا عذاباته وتجرعوا سمومه الخبيثة في مرحلة التشطير المقيت. إننا نقول بصوت عال: ينبغي محاسبة الجهات التي سكتت عن هذا الجرم وينبغي أن تكون هناك رقابة على مختلف الأجهزة التعليمية وبالذات المناطق النائية وأن لا يترك المدرس على أهواء الذين باعوا ضمائرهم للشيطان وأن تكون الرقابة فعالة وأن تتخذ إجراءات عقابية لكل من يحاول منع تحية العلم أو ترديد النشيد الوطني أو يحاول غرس أفكار تمس الوحدة الوطنية وتقلق الأمن والسكينة العامة، وأن تسعى الجهات المعنية بتربية النشء إلى سن القوانين التي تحرم أو تجرم هذه الأفعال، وأن يخرج الجميع من حالة الصمت الذي يؤثر على الأداء ويترك الساحة نهباً لأصحاب المشاريع الصغيرة والأفكار الضلالية وصناع الأزمات. والمسئولية في هذا الجانب تكاملية ينبغي أن يتحملها كل من موقع عمله وتخصصه ولا يجوز التواكل والتكاسل والتخاذل في مثل هذه المسائل التي تمس أمن الوطن وسلامة وحدته الاجتماعية، وأن تعمل على ردع العناصر التي باعت هويتها وضميرها للشيطان وأن تكون العطلة الصيفية المقبلة فرصة لإحداث حراك توعوي جاد من أجل اطلاع الشباب المغرر بهم على مآسي التشطير وخطورة الأفكار المنحرفة، والعمل على نشر روح المحبة والأخوة والتسامح وبيان أهمية الوحدة الوطنية وغرس مبدأ الولاء الوطني وبيان أهميته في حياة الفرد والجماعة وبيان التضحيات التي قدمها الأجداد والآباء في سبيل الوصول إلى ما وصلنا إليه من الأمن والاستقرار والعزة والمنعة والمكانة الغالية بين الأمم. إن الإعداد الجيد لتنفيذ البرامج التوعوية وتحريك القوافل الشبابية والثقافية والفكرية والإعلامية والإرشادية في مختلف محافظات الجمهورية أمر على درجة عالية من الأهمية ولا يجوز التعلل بانعدام الموارد المالية للإنفاق على ذلك، لأن السير في طريقة التنشئة السليمة يوفر علينا الكثير من المساوئ ويحصّن الجيل ضد تأثير من يسيرون في الاتجاه المضاد الذين يسعون إلى تمزيق وحدة الشباب واستغلال وتجنيد العاطلين من الشباب وتعبئتهم بأفكار تشكل خطراً على مستقبل الأمة، وعلى الحكومة أن توفر الإمكانات اللازمة والمناخات المناسبة للقيام بالحراك التوعوي والإرشادي والثقافي والإعلامي وأن تعد العدة لهذا الجانب لحماية الأجيال وصون الوطن من مخاطر الانحراف الفكري وتبعاته.. فهل يدرك الجميع أهمية كل ذلك أم نكتفي بالقول إن الوحدة في قلوبنا.؟