هكذا كان علماؤنا يفكرون،. ويتنافسون في من يكون له السبق في أن تكون رؤيته هي الصائبة أو نظريته هي الصحيحة أو بحثه هو الأكثر دقة.. «من للعلم إن لم أكن أنا له؟!» عبارة تنم عن ثقة في النفس وغزارة في العلم وهمة أو عزيمة لايُوهنها الصعب ولا يفلّها العسير ولا يحول دون تحقيقها فقر ولا مسبغة ولا المسافات البعيدة ولا وعورة الطرق ولا خطورة المكان. هذا ابن الهيثم قد عرفه الأوروبيون باسم «الهازن ALHAZEN» فصار عندهم من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء في عصره فاحتفوا به أشد الحفاوة واعتبروه أستاذاً لكثير من علمائهم، فهو مؤسس علم البصريات، وله فيها اكتشافات مذهلة قامت عليها النظريات العلمية الحديثة. يقول الدكتور راغب السرجاني: «ومن المستحيل أن نجد كتاباً أو مرجعاً في علم البصريات لايشار فيه إلى ابن الهيثم وخاصة كتابه «المناظر» الذي كان ثورة حقيقية في عالم البصريات» تُرى كم من شبابنا يعلم شيئاً ولو يسيراً عن ابن الهيثم؟ ولد ابن الهيثم في قرطبة عام 194ه.. تعلم القرآن ومبادئ الدين في كتاتيب قرطبة.. كان أول من اخترع الساعة وسماها الميقاتة.. اخترع آلة لرصد حركة الكواكب والنجوم والأفلاك في مداراتها.. ابتكر في داره صورة رسم فيها الشمس والقمر والكواكب ومداراتها. ياشبابنا: ماذا تظنون في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟! هل تظنونه كتاب «أحجيات» و«حروز» و«تمائم»؟ هل تظنونه كتاب «أموات» أو كتاب «موالد»؟! القرآن كتاب علم وليس كتاب «شعوذة» ولا «دردشة» القرآن كتاب علم بالمعنى الذي نتعلم منه قضايا الحلال والحرام، فهو الدستور الذي يهدينا إلى الحق والصواب.. إلى العدل والاستقامة.. القرآن كتاب علم بالمعنى الذي لابد أن تكون أمة القرآن في مقدمة أمم الأرض ليس في غبائها وغفلتها وجهلها وتخلفها، بل في قوتها وعلمها ونهضتها وسمو أخلاقها ورفعة شأنها وحسن ذوقها ورقة مشاعرها وجمال سمتها. كان البخاري رحمه الله يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريباً من عشرين مرة «الدارمي». يقول عنه عمر بن حفص الأشقر: إنهم فقدوا البخاري أياماً من كتابة الحديث بالبصرة، قال: فطلبناه فوجدناه في بيته قد نفد ماعنده، ولم يبق معه شيء، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوباً وكسوناه. كنت في طريقي إلى المسجد لصلاة العصر، فرأيت شاباً ممتلئاً صحة وعافية على بعد خطوات من المسجد، لايكاد يستطيع الكلام من كثرة ما حشا فمه من أوراق القات، التفت إليه مبتسماً في وجهه وقلت له: سوف تفوتك صلاة العصر إن لم تبادر الآن للوضوء فقال: «وهو في حالة انفعال»: ولماذا أصلي؟ قد خلينا الصلاة للأغنياء وأصحاب القصور!!! أما أمثالي فماذا أعطانا؟ وماذا نملك حتى نبادر للصلاة مثلكم؟ لم يكن هناك وقت للرد عليه.. إن ذلك الشاب لم يفكر بأولئك الذين ابتلاهم الله بالمرض أو بالعمى وبالصمم أو بالاعاقة الجسدية أو النفسية أو العقلية، ولكنه فكر فقط بأصحاب الثروة.. لم يفكر بأولئك الذين يناضلون من أجل حرية أوطانهم أو من أجل لقمة العيش ولم يخطر بباله أن هناك مجتمعات بحالها قد اجتاحتها السيول أو الفيضانات أو غيرها من الكوارث فصبروا واحتسبوا أجرهم عند الله.. فأية تربية هذه التي يتعرض لها هذا الجيل من آباء وأمهات لم ينجحوا في شيئ مثلما نجحوا في زرع الأحقاد في نفوس أبنائهم.. وقد كان حرياً بأمثال هؤلاء أن يتجهوا إلى بذل الجهد لاكتساب العلم أو الخبرة أو مهنة من أي نوع. يقول فخر الدين محمد الساعاتي، أحد جهابذة الطب في تاريخ الإسلام، حين يصف معاناته في تحصيل الطب: يحسدني قومي على صنعتي.. لأنني بينهم فارس سهرت في ليلي واستنعسوا.. لن يستوي الدارس والناعس وقد قيل للشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟! فرد عليهم وقال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار وبكور كبكور الغراب.