عقد في الاسكندرية شمال مصر العربية مؤتمر للدول المتقاسمة لمياه نهر النيل على امتداده البالغ ستة آلاف كيلومتر، سواءً التي ينبع منها أو يجري فيها أو يصب في بحرها لبحث عقد اتفاقية جديدة للتوزيع بعد محاولة تعديل اتفاقية 9291 في ظل الوجود البريطاني الذي تجاهل مطالب المصريين الخاصة بتحديد حصص على ضوء عدد السكان من ناحية، ومن ناحية ثانية مراعاة أن مصر ليس لها مصدر مائي آخر غير النهر الخالد العظيم، حيث إن بقية الدول المشمولة بالاتفاقية ويزيد عددها على السبع دول أبرزها أوغندا وإثيوبيا وتنزانيا التي تنبع منها أكبر الروافد مثل بحيرة فكتوريا فتلك الدول تملك أنهاراً أخرى بعضها ترفد النيل والأخرى تنبع وتصب داخل الدول نفسها لكنها لم تستفد منها طيلة هذه السنوات التي تزيد على التسعين سنة لاسباب داخلية وخارجية. وتعرضت لمشاكل أثناء وجود الاحتلال القائم على سياسة (فرق تسد) وبعد رحيله وكما هي عادته فإنه يزرع الفتن التي تطحن الشعوب التي استعمرها لكي تنشغل عن بناء نفسها وتتوحد كلمة أبنائها وتتغلب على النعرات والعصبيات الجاهلية إلا ان التعبئة الاستعمارية فاقت محاولات المصلحين الوطنيين في تذكير مجتمعاتها، ومشكلة النيل القديمة الجديدة يبدو أنها مرشحة هذه المرة للتصعيد أكثر من أي وقت مضى لدخول اسرائيل في الخط منذ بداية الستينيات كمحرض رئيسي ضد مصر وتقديم مقترحات للدول الافريقية خاصة إثيوبيا وأوغندا بإقامة سدود ضخمة وكثيرة على ضفاف نهر النيل عارضة المساعدة الفنية والمالية السخية لولا أن حكام هذه البلدان فكروا كثيراً في بنود الاتفاقية المذكورة وراجعوها، ثم تساءلوا عن أهداف اسرائيل وعروضها التي لم يطلبوها أصلاً. وما هي إلا فترة من الزمن حتى تبين لهم أن الغرض الآخر الرئيسي هو إغراق تلك الدول بالديون مع الفوائد لمّا سألوا عن تفاصيل العروض ومدى الكرم الصهيوني ولأي عيون بادروا به، وقد ساعد على عدم تمكن اسرائيل من التوغل أكثر في المجتمعات والسياسات الافريقية الثورات التي أطاحت بأنظمة كانت بمثابة مطية لاسرائيل في كل شؤونها ونتج عن الثورات صراعات داخلية تدخلت فيها أطراف خارجية أخرى وكبرى ماأتاح لها فرصة الابتزاز واحتكار مابقي من ثروات القارة الغنية بثرواتها الطبيعية والزراعية والمائية والحيوانية.. على أن العراق تسعى الآن لدى تركيا وسوريا للحصول على حصة أكثر من نهري دجلة والفرات ومازالت المحادثات بهذا الشأن جارية، وقد تتدخل الأممالمتحدة في الموضوع من خلال محكمة العدل الدولية في الحالتين المصرية والعراقية, ولايبدو ان الأطراف المشتركة في مياه النيل ودجلة والفرات مستعدة للقبول إلا بشروطها.