تتمتع بعض المناطق بالأمطار فيما تعاني غالبيتها في إطار الدولة الواحد من الجفاف لعدة سنوات كما حصل في أثيوبيا والصومال ودول أفريقية شرقية في عقدي الثمانينيات والتسعينيات, فماتت المواشي ويبست الأشجار ونضبت مياه الأنهار والآبار والعيون ومات كثير من البشر إلى جوار مواشيهم في مشاهد مروّعة لايتقبلها ولايتصورها بشر ورغماً عن قدرات وإرادة الدول والأنظمة والشعوب.. كانت الأمطار إذا نزلت بعد عدة شهور في المناطق الأكثر تضررًا من الجفاف لاتروي العطش ولاتنبت الزرع أو تعود معها الحياة للغابات والأحراش والمراعي فيما تحدث الفيضانات والسيول الناجمة عن مطرة أو مطرتين دماراً هائلاً كالذي شهدته جمهورية السودان في منتصف الثمانينيات وشاهدنا أجزاء من مدينتي الخرطوم وأم درمان غارقة في المياه وكأنها بحيرات ولم يبقَ من المنازل إلا الأجزاء العلوية والتنقل بينها يحتاج إلى قوارب صغيرة ومن أين لمئات الألوف من القوارب لتوصيل الغذاء ومياه الشرب والدواء والأثاث أو نقل المصابين منهم والمشردين إلى مناطق آمنة؟!. وكانت مثل هذه الحالات المتقلبة مناخياً تحدث في اليمن وعايشنا بعضها وسمعنا من الآباء والأجداد أحاديث عن سنوات الجوع الشاملة التي عانت منها اليمن نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت أشهر مساعدة إنسانية هي المساعدات الأمريكية التي حملها الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد لكسون مبعوثاً من قبل الرئيس ايزنها ورو, لكنها كانت من الطابونة الذي يتحول عجينه إلى ما يشبه البلاستيك في العصيد والفطير ولولا الضرورة لعافها الناس المتعودون على عصيد وفطير الذرة والبر والشعير. والذين عاصروا تلك الأيام المخيفة تحدثوا عن الموتى من البشر والحيوانات وقد ساعد الذين نجوا من الموت جوعاً ولبعض الأوقات لحوم الأبقار والماعز والأغنام الميتة جوعاً وعطشاً أيضاً أو التي كانت تذبح قبل موتها بدقائق, وقد نشرت عظامها واحترقت لحومها وشحومها ونالت منها الأمراض الكثيرة أمام عجز أصحابها عن إطعامها وإروائها .. والجفاف القادم على بلدان كثيرة ستتخلله فيضانات تقضي على الزرع والضرع وسيشمل دول الشرق الأوسط بما فيها الدول العربية التي تجرى فيها أنهار النيل في مصر ودجلة والفرات في العراق وسوريا وستختفي أنهار لبنان العديدة الصغيرة وكذلك نهر الأردن الذي استولت عليه إسرائيل عقب قيامها وألحقت الجزء اليسير منه إلى مستوطناتها ومدنها بعد تحويل مجراه بصورة نهائية في بداية الستينيات. وستزيد الدول التي تنبع منها مياه هذه الأنهار مثل أثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وكينيا وتركيا من وتيرة بناء السدود وتوسيع رقعة الأراضي الزراعية على حساب دول المصب المذكورة وقد بدأت أثيوبيا فعلاً ببناء أكبر سد في العالم لحجز مياه بحيرة فكتوريا ومثلها الدول الأفريقية التي تتفرع منها أنهار متوسطة صغيرة وتركيا التي أنجزت بناء سد أتاتورك الكبير قبل عدة سنوات وكان له تأثير على نسبة تدفق مياه نهري دجلة والفرات، أما نحن فلم يكن لدينا أنهار ولم تعد لنا مصادر مياه تكفي للشرب إلا للقات!!.