نفهم من قوله تعالى: [وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا] أن المساجد مكان طاهر مقدس لأداء الصلاة التي هي أفضل عبادة. هذه الصلاة التي تكون خالية من الرياء الذي هو الشرك الأصغر، وكما هي للصلاة فهي للتربية الإسلامية التي تقوم على الكتاب والسنّة بتفسير العلماء العارفين الورعين الأتقياء الأنقياء من الأحقاد، والذين تهمهم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. وعبارة القرآن [وأن المساجد لله] أن يخلص مرتاد المسجد العبادة لله وحده، وكذلك التربية والتنشئة، فلا تكون هذه التربية لصالح حزب أو تنظيم أو جماعة، وإنما هي لله تعالى وحده. ولما كانت التربية وفق منهاج القرآن، تخرجت أجيال مؤمنة صالحة؛ سلوكها موافق لشرع الله، تكاد هذه الأجيال تكون ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين. فلا تكالب على الدنيا، ولا ظاهر لهم غير باطن، أو باطن غير ظاهر، وإنما هم أهل الله؛ يطبقون تعليمات الكتاب والسنّة وفق مقتضاهما، يصدعون بالحق، لا يخافون لومة لائم. ويبذلون النصحية للمسلم أكان رئيساً أم مرؤوساً، قلوبهم مع الله، زاهدين في الحياة الدنيا، ضاربين بالتكالب عليها عرض الحائط. لا يندمون على ما فاتهم من أمر الدنيا، ولا يفرحون بما آتاهم الله منها، خاشعين لله، وجلة قلوبهم، دامعة عيونهم، عندما يسمعون موعظة، أو تحدث لهم ذكرى في الآخرة. [أن المساجد لله] تعني فيما تعني هذه الآية المباركة أن تبرّأ هذه المساجد من الدعوات لحزب أو جماعة أو إعلاء عصبية أو عنصرية أو المؤامرة، أو الخروج على ولي الأمر، أو الهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار. فلا تكون المساجد على الإطلاق مكاناً للتحشد ضد الدولة، أو ضد أهل الله من المسلمين، بل المساجد لله تدعو إلى الرحمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والحفاظ على حدود الله تعالى والتآخي والتكافل، والأخذ بيد الضعيف، والأخذ على يد القوي، والانتصار لصاحب الحاجة والتخفيف عن المصابين. ويوم أن تخلت المساجد عن رسالتها السامية؛ وأصبحت لغير «الله» انبعثت العصبية، وسادت المذهبية، واستعملها المنحرفون مكاناً للقطيعة، وإذاعة الدعوات الشيطانية التي تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف. المساجد لله الذي يحض على العدل ويأمر أن تؤدى الأمانات إلى أهلها، والحق إلى أصحابه، ويدعو لعبادته التي تقوم على الحق، ويدعو إلى إزهاق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.