أحدث نبأ وفاة الزميل العزيز عبدالله ناجي حاتم المخلافي صورة غير متوقعة لي ولجميع الإخوة في وزارة الإدارة المحلية، ولجميع الأصدقاء والزملاء، ولمن عرفه عن كثب ، فقد باغته الموت وهو في مهمة وطنية ضمن اللجان المشرفة على المؤتمرات الفرعية للسلطة المحلية في محافظة المهرة .والتي ذهب إليها وهو أكثر شوقاً إليها، وسعيد بزيارتها..فهي من المحافظات المهيئة للانتقال إلى الحكم المحلي الذي كان من أنصاره ، فالحكم المحلي واللامركزية من أبرز ملامح الوعي الوطني الديمقراطي لدى زميلنا عبدالله المخلافي.. وهو لم يكن مجرد شخص عادي، وانما رجل له ثقافته الوطنية الخاصة حيث تربى على الثقافة الوطنية الديمقراطية وتشرب بأفكارها ومبادئها. ولهذا كانت الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة حاضرة على الدوام في وعيه الوطني بأبعادها الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، وكان في عمله يمقت الارتجالية والعشوائية والمزايدات الكاذبة ، لهذا كان مؤمناً بالتطوير معتبراً أن الديمقراطية هي سلوك حضاري يتشكل في المجتمع من خلال ارتباطها بالقاعدة الاجتماعية الواسعة. ومن هذا المنطلق عمل عبدالله مع زملائه في المهرة بوعي ولهذا كان لتغيبه المفاجئ عن المشهد الوطني إثر بليغ في نفوس الجميع، ولهذا وقف المؤتمر الفرعي للسلطة المحلية بالمهرة دقيقة حداد على روحه الغالية، وعزته القيادة السياسية ومختلف الفعاليات الوطنية والسياسية والاجتماعية، وقد خلق هذا انطباعاً مختلفاً لدى الجميع. تميز المخلافي بهدوئه المعتاد، وبدماثة خلقه، وبقدرته على نسج العلاقات المتكافئة ومع الجميع، وهو علاوة على ذلك لم يشكك من أي عارض مرضي طوال حياته..لهذا حزنتُ عليه وتأثرت كثيراً على فراقه. لماذا ياصديقي استعجلت الرحيل لماذا تركت المكان شاغراً ومضيت لماذا تواريت عمّن قاسمك الرغيف لماذا تركت ابناءك الصغار ورحلت والذين ظلوا ينتظرون عودتك غير آبهين بما يقال عن رحيلك المر وكانوا يتفحصون وجوه القادمين للعزاء ظناً منهم أنك بينهم وكلما سمعوا طرقة على الباب مضوا إليه مسرعي الخطى لفتحه ببهجة طفل بريء هاهو ذا أبونا قد أتى برغيف الخبز وعلبة الشوكولاته ذهبت ياصديقي محروساً بعيون محبيك والابتسامة لاتفارقك..عدت متشحاً بثوب زفافك الأخير مبتهجاً برحيلك المباغت عدت ودموعنا تغسل حزننا عليك مضيت وحدك إلى حيث الخلود مضيت وفي يدك وردة..تحرك أشجان وأشواق الرحيل مضيت شوقاً وحنيناً لذلك الرحيل.. ولذلك المكان الذي أصبحت فيه نجماً..ضوءاً..شمساً أنت بريقها..عريس هذا الزمان..هذا المكان.. عرش هذا الألم.. لاتحزن ياصديقي..سيبقى مكانك شاغراً، واسمك علماً في قمته نار، سيبقى كذلك إلى أن تعود من رحلتك الأخيرة مكللاً بالورود. سيظل مكانك مكاناً للخلود..محروساً بعناية الله عز وجل ملاكاً.. بريقاً كالضوء الصاعق..ينسج الفجر من خيوطه ضوءه..وروداً ناعمة كالحرير.. سلاماً عليك صديقاً أبياً..عزيزاً..سلاماً عليك ملاكاً..منزهاً من اخطاء البشر وأفعالها. سلاماً عليك في ضيافة الرحمن مخلوقاً كريماً حراً أبياً. سلاماً عليك حينما مضيت مسرعاً في موكب الخالدين عروساً. متوجاً بالفل..وسلاماً عليك حينما تعود إلينا مكللاً بالورد مبتهجاً برحلتك إلى الله.. إلى من استضافك بحضرته وأكرمك برحمته. سلاماً عليك يوم ذهبت بدفتر أعمالك الخالدة.. ويوم تعود مبتهجاً بما قدمته يداك من أعمال صالحة..هاهي ذي شمسك ظلت متوقدة..تستمد الأجرام السماوية منها ضوءها ترسل أشعتها بتتابع وابتهاج. تحرك إليك الحنين حتى بعد رحيلك المباغت .. صديقي حياتك القصيرة المغدقة..المليئة بالمواعظ والدروس..مرت من هنا كسحابة ينزل منها المطر مدراراً. تواريت عنا تحت الثراء لأنك كنت أكثر جبالاً دعم هذه الأرض الطاهرة.. يظل بريقك الأصيل يومض بالحياة.. صورتك ياصديقي لاتفارقني لحظة، وطيفك يمر من أمامي مسجلاً حضورك الأبدي، وبريق ابتسامتك كلون البرق..بيضاء كأعمالك..نقية كالورد..رقراقة كالماء..تملأ الأفق كله صوتك الخافت ظل مجلجلاً كالبرق..يحرك أشجاننا إليك.. صديقي لايرعبك الصمت..ولاتخشى الفراغ..هاأنذا قادم إليك وفي يدي كتاب الله..نور الله المتوهج على الدوام. هأنت ذا خالد في ربيعك الأبدي السندسي.. حيث تجري الأنهار والبحيرات مخترقة الأشجار والثمرات..حيث تطوف بنات الحور بأكاليل الزهر، وبآنية من فضة..وقوارير مزاجها زنجبيل وكافور..وكؤوس من الكوثر وسلسبيل وأطباق الفاكهة واللبن المصفى وبكل مايفتح شهية الأنفس التواقة للخلود. آه..آه..ليت هذا الزمان يختفي..يتوارى عن الأنظار.. ها أنت قد أفلت عنا رغماً عنا..كما تأفل النجوم والكواكب والمجرات تهاوى نجمك..وأنت لاتزال في بداية الطريق.. ولاتزال توقد مجامر شوقك بالنور والبخور ومختلف أنواع الطيوب .. اعذرني ياصديقي..لقد رأيتك راجلاً..تحمل بسمتك وتمضي على عجالة لإنجاز المهمة التي سافرت لانجازها طالما انتظرتها من زمن طويل لكي تعود لأبنائك الأربعة برغيف الخبز وتهدىء من روع جوعهم طالما انتظروك طويلاً.. ولم أر جسدك وهو مسجى على فراش الموت لأني لا أريد أن أراك إلا راجلاً.. فأمثالك يا صديقي لايموتون ولايغتاضون، ولايحزنون وأمثالك يعيشون عمرهم كله..لأنهم يخلدون أفعالهم، ويخلدون خلودهم. قم وانهض وصلِ معنا ركعتين للرب لإله العدل والحق لإله الحب والبقاء السرمدي.. قم وتوضأ ها هوذا الفجر قد أتى وها هي ذي غيمتك الكريمة تنفض من عليها رذاذ المطر مدراراً.. هأنذا بي رغبة للبكاء..رغبة للانتظار..ورغبة للاستماع.. لسيمفونية روحك الطاهرة.. رغبة للصعود إلى حيث توجد روحك إلى سدرة المنتهى..إلى حيث تسكن شمسك..سماء روحك المتوثبة..حيث تشعل قناديل روحك نوراً.. كنت صديقي وحدك في الزحام..كنت وحدك تكابر بالرحيل..وحدك تقطف الورود من مشاتل روضك المقدس.. وتوزعها وردة..وردة..ومنك تفوح الورود عطراً..وطيباً كنت وحدك تستمع لنا ونحن نقرأ عليك الفاتحة، وفي محرابك نرتل القرآن ونغني معاً أغنية الصباح..أغنية الاشراق .. السمو والخلود والبقاء والنقاء سيمفونية هذا الرحيل المبكر..رحلت عنا يارفيقنا كريماً عزيزاً أصيلاً..رحلت يامن بكيناك بحرقة وألم وبكت عليك معنا كل أحجار وأشجار العالم.. رحلت متوجاً بالدموع..بنور أعمالك الخالدة.. بوميض نورك الأزلي.. رحلت وكان كل شيء يا صديقي في انتظارك.. في وداعك .. في انتظار عودتك الأكيدة.. على موائد الخير، وموائد الأفطار.. موائد الخلود الأبدي.