كتبها/ حمير بطاح سمعنا كثيراً عن موت الضمير لدى بعض الناس، وعن موت الأخلاق لدى البعض الآخر، وعن موت الأحاسيس لدي فريق ثالث ، لكن أن يموت صوت الأمومة ووازع الانسانية فهذا مالم يرد إلى سماعنا كثيراً، وإلى تفاصيل قضية هذا العدد. بعد زواج فاشل دام أربع سنوات قرر صابر تطليق زوجته، والتخلص من الكابوس الذي كتم أنفاسه طيلة الأربع السنوات هي عمر زواجه ، فقد كانت زوجته تتفنن في تعذيبه وتتلذذ بمعاناته وتحاول جاهدة افتعال كل مايمكن أن يعكر صفو عيشه ويكدر عليه حياته ظناً منها أنها بذلك تنتقم لشريحة البسطاء من أمثاله من الأغنياء، فقد كان صابر من الطبقة الغنية لديه كل متاع الدنيا وبهجتها لم يكن موفقاً وكان نتيجة هذا الزواج ابنة«معاقة» لاتستطيع التحرك إلا على كرسي متحرك، وبعد كل معاناته مع زوجته طلقها ليريح رأسه من أفكارها السوداء وعقدها النفسية، غير أن هذه التجربة الفاشلة لم تمر على صابر بسلام فقد خلقت لديه عقدة مفادها أن نساء الكون جميعهن على شاكله زوجته الأولى ومن نفس النوعية، وعليه فقد قرر في صميم نفسه عدم تكرار التجرية والاكتفاء برعاية ابنته المعاقة وتفريغ كل وقته وحياته من أجل الاهتمام بها وبسعادتها. مرت عشر سنوات على طلاق صابر لزوجته وكبرت «سمر» وكبرت معها اعاقتها فلم تعد الاعاقة جسدية وحسب بل تعدتها إلى الاعاقة النفسية والمعنوية فقد انطوت سمر كلياً على نفسها وشكلت اعاقتها الجسدية حاجزاً بينها وبين المجتمع المحيط بها وكأي رجل لم يتفهم الأب احتياجات سمر النسائية النفسية وإن لم يكن قصر في اشباع احتياجاتها المادية.نصحه كل من يعرفه بالزواج مرة ثانية لا لشيء سوى الاتيان بأخ أو أخت لسمر يؤنس وحدتها ويبدد وحشتها وتشعر بالاندماج والتآخي معه أو معها. بعد تفكير عميق قرر صابر تكرار التجربة لكن بالشروط التي يرتضيها، فبحث عن فتاة بسيطة من أسرة فقيرة وعرض عليهم شروطه والتي تتمثل في أن زواجه من ابنتهم ينتهي بمجرد ولادتها لابنه أو ابنته ثم يذهب كل منهما في حال سبيله، وقدم إليهم مهراً محترماً سال له لعاب الأسرة المغلوبة على أمرها والتي عبثت بها رياح الفقر والفاقة والحاجة وأمام هذا المهر الكبير لم تملك الأسرة إلا الموافقة وبالشروط التي وضعها صابر وتمت مراسيم الزفاف حسب رغبته وعلى كيفه في الجانب الآخر كانت سلمى مخطوبة لابن عمتها وكل منهما يحب الآخر حباً شديداً ومن أجل هذا الحب الافلاطوني فقد قرر ابن العم الاغتراب من أجل جمع المهر ولوازم العرس وتعاهدا قبل السفر على أن كلاً منهما للآخر ولن تستطيع أي قوة على الأرض التفريق بينهما وعلى هذا الأمل سافر ابن العم تاركاً خلفه سلمى تعد الليالي والأيام لحين لقائهما. وقد أخفت الأسرة هذا الأمر على صابر، ولم توافق سلمى على الزواج منه وفاءً منها للعهد الذي قطعته لابن عمها لكن الوالد لم يفتأ يقنع ابنته ويهون عليها الأمر قال: إنها فترة بسيطة حتى تجيء له بالولد أو البنت ثم تعودين إلينا وستكسبين الكثير من هذه الزيجة الأمر الذي سيسهل زواجك بابن عمك وسوف نشرح له بعد عودته ظروف هذا الزواج والأسباب التي دفعتنا إليه. وكما يقول المثل المصري«الزن على الوذان أمر من السحر» في النهاية وافقت سلمى مرغمة على أمل العودة إلى حبها القديم بعد ثلاثة أشهر تلقى صابر نبأ حمل سلمى وكانت فرحته عظيمة وسعادته كبيرة فبعد فترة سيصبح لسمر أخ أو أخت وسيساعد ذلك على تخطي حالتها النفسية وارتفاع معنوياتها. كانت سلمى جميلة رقيقة مرحة، ومع حملها ازداد جمالها اشراقاً وازدادت أنوثتها جاذبية مما لفت نظر صابر وحرك مشاعره الدفينة فصار يتأملها ويهيم في جمالها وجاذبيتها حتى اكتشف في الأخير أنه يحبها وغير قادر على فراقها ساعة واحدة. مرت شهور الحمل التسعة بسلام وحانت ساعة الولادة قلق صابر على سلمى كثيراً وهي داخل غرفة الولادة ومرت الساعات عليه بطيئة.. بطيئة.. أخذ يفكر في الشروط التي وضعها على أسرة سلمى وهاهو يوم بعاده عن سلمى قد حان، فمجرد خروج الدكتورة من غرفة التوليد تحمل إليه نبأ قدوم ابنه أو ابنته يعني خروج سلمى من حياته.. فانتفض عند هذه الجملة«لا لا لن تكون سلمى إلا لي ولن أطلقها مهما كانت الأسباب». خرجت الدكتورة تبشر صابر بوصول ابنه لكنه سأل مباشرة عن حال الأم فطمأنته الدكتورة أنها بخير وبصحة جيدة، فارتاح وابتسم ثم دخل إلى سلمى يطمئن عليها وعلى ابنه بقدر ماكانت سلمى فرحة بخلاصها من زوجها لتعود إلى ابن عمها كما هو متفق عليه، بقدر ماكانت حزينة لفراق فلذة كبدها لكنها قوّت قلبها وطلبت من صابر الطلاق حسب الشروط المتفق عليها. ظل صابر يماطل سلمى على الطلاق ويظهر لها حبه وعشقه لها لكن كل ذلك لم يجد آذاناً صاغية لدى سلمى فقد كان قلبها معلق بابن عمها ولم تصدق أنها ولدت حتى تتخلص من صابر وتعود إليه، مرت ستة أشهر على ولادة سلمى وصابر رافض تماماً لأمر طلاقه لها ووعد سلمى وأسرتها بأن يفعل لهم كل مايريدون لكن تظل زوجته، فجن جنون سلمى ولم تجد طريقة تنتقم بها من صابر وتحرق قلبه إلا الاجهاز على ابنه والقضاء عليه. وفي لحظة مات فيها صوت الأمومة عند سلمى قامت بكتم أنفاسه بوسادة حتى فارق الحياة وصار جثة هامدة. علم صابر بالخبر فأرعد وأزبد وتوعد سلمى بالشر والشرطة تقتادها إلى مديرية الأمن للتحقيق في ملابسات الجريمة.