في الربع الأخير من القرن العشرين اتجهت الدوائر الاستخبارية للدول الكبرى إلى البحث في علم (الباراسيكولوجي)، وخصصت أموالاً طائلة لتنمية قدرات «الحاسة السادسة» لدى بعض الأفراد المتميزين بقوة الحدس، فالعالم بدأ يدرك أهمية «التنبوء» ببعض الأحداث لتفادي عواقبها الوخيمة. يوم الثلاثاء الماضي وجدت نفسي أقف أمام نموذج كويتي فريد لقوة حدس المؤسسة السياسية العربية، من خلال ذلك الاستنفار الحكومي الكبير للجم شهوة الإعلام وقطع لسان الفتنة التي حاولت بعض وسائل الإعلام الكويتية إثارتها بمقالات ورسوم كاريكاتورية تروج لثقافة الكراهية والبغض الطائفي الديني. ومع أن ما نشرته بعض وسائل الإعلام الكويتية كان محدوداً للغاية، وليس بالحجم المقلق، غير أن الشيخ أحمد العبدالله الصباح - وزير الإعلام ، أدرك بحسه الثاقب أن كبرى الحرائق تشعلها شرارة صغيرة، فشمر عن ساعديه، وبدأ التواصل شخصياً مع رؤساء التحرير، وأبلغهم تحذيرات شديدة اللهجة من مغبة انزلاق خطابهم الإعلامي نحو الفتنة المذهبية، وثقافة الكراهية، وبما يسيء للوحدة الوطنية الكويتية.. وقد بلغ علمي أيضاً أن معالي وزير الإعلام استنفر مستشاريه، وكبار مسئولي وزارته لصياغة مشروع تعديل لقانون المطبوعات والنشر يمنح وزارته حق سحب تراخيص الصحف التي تتداول خطاب الفتنة المذهبية وتسيء لوحدة وسلام شعب الكويت. الجميل في الأمر ليس فقط «الثورة الاستباقية» التي فجرها وزير الإعلام الكويتي ضد ثقافة الكراهية، ولكن أيضاً وعي قيادات المؤسسات الإعلامية الكويتية، وتجاوبها مع الوزير، وإدراكها أيضاً خطورة ما انزلقت إليه بعض الصحف.. فقد أطلت صحيفة «القبس» بعد ذلك بساعات بافتتاحية تقدم فيها اعتذارها للشعب الكويتي عما نشر من مقالات، أو تصريحات تحمل بعض الإساءات الطائفية، وقالت: إنها تعتذر أيضاً «عن عدم نشر كل مايفهم منه سخرية من جنس أو عرق أو قومية، حرصاً على الثوابت الوطنية التي كفلها الدستور للمواطنين جميعاً دون تفرقة». وقد أعقبت «القبس» وسائل إعلام وأقلام كويتية راقية تصب حديثها بنفس الاتجاه، كما لو أن النخب الإعلامية والثقافية أعلنت استنفاراً «عربياً» ضد كل ما من شأنه تمزيق وحدتهم الوطنية، ويهدد سلامهم الاجتماعي.. وأحسب الفضل الأول في ذلك - بعد الله - لمعالي وزير الإعلام الشيخ أحمد الصباح الذي تعاطى مع الشرارة الأولى ببصيرة ثاقبة، وحس وطني عالٍ، وحدس قوي بعواقب مثل ذلك الخطاب الذي لو تأججت نيرانه - لا سمح الله - سيأكل اليابس والأخضر، ولن تقوى أعتى الجيوش على إخمادها. فما أحوج ساحتنا العربية إلى هذا الوعي، والممارسة المسئولة للسلطة.. وما أحوجنا إلى منابر إعلامية تجيد فن لجم شهوات الإثارة، وتلتحم مع قيادتها السياسية عندما يطرق الخطر أبواب الوطن، ويهدد أمن الجميع بلا استثناء. من صنعاء العروبة أقف إجلالاً لمعالي وزير إعلام الكويت، ولكل وسائل الإعلام الكويتية التي استنفرت أقلامها لإخماد الشرارة الأولى للفتنة.. فلتمضِ الكويت بسلام إلى غدها المشرق.. ولترتد نيران الفتنة إلى أعدائها، وأعداء الأمة والإسلام.