قيل لرجلٍ فاضل، لقد كُتب عنك (....) في صحيفة (....)! أجاب: إن كان من المنصفين فنحن له شاكرون، وإن كان من الجاحدين فنحن له عاذرون، وإن كان من الحاقدين فنحن له راثون، وصمت!.. تذكرت هذه الحكاية، وأنا أقلِّب أوراق بعض الصحف التي تنهال على القارئ، على ندرته اليوم، بالنسبة للصحف الكبيرة والمهمة، فما بالنا بالصحف التي لا يقرؤها حتى هيئة تحريرها بعد صدروها، إذ أن البعض قد استمرأ التعرض للآخرين دون وعي منه أن ما يكتبه اليوم سيحاسب عليه غداً أو بعد غدٍ، فالصحافة مرآةٌ كاشفةٌ للواقع المعيش، وتعد، بحق، يوميات تفاصيله التي تدوّن فتصبح تاريخ مرحلته وبوتقة وعيه ووعاء فلسفته وعنوان عقله الذي يقود، وهي، ذلك المسكوت عنه الذي يستخرجه المحللون السياسيون والإعلاميون من بين سطور السمين المكتوب والغث المنثور. من هنا كانت أهمية الصحافة وعمق دورها في حياة الشعوب، فهي مقياس حقيقي لمدى وعيه وانشغالاته وهمومه وأحلامه وأمانيه، ففضاء الكلمة المكتوبة ليس له حد ولا تضيق به حدود، إلا أن به من ضيق في السعة ما يجعله بين يدي من يرغب في استخدامه في اتجاهات وأغراض ومآرب شتى، ففي حين يدفع بك الإنصاف إلى قول كلمة الحق حتى ولو كانت مُرةً في حلقك، عندها ترتقي سلم الحياة بصفاء روح ونقاء قلب، وعندما يرمي بك الجحود والنكران إلى غبن من هم أكثر حضوراً ونبوغاً وموهبة منك، فإنك بذلك تظلم ذاتك الصغيرة التي لا تدرك أنها وهي تعاقر هذا الفعل المشين تبقي على جهلها وغبائها، وفي حين تقذف بسهام مدادك الأسود في وجوه الآخرين عن حقد وكراهية، فإنك قد حكمت على نفسك بالموت البطيء، فليس هناك أقسى على النفس من دخولها غرفة الإنعاش بمحض إرادتها لتعيش مرحلة استنزاف لكل مسامات الحياة التي تنبض فيها. هي، بلا شك، نماذج، كثيرة اليوم، ابتلي بها عالم الصحافة المحلية، فهم يقتاتون على فتات الآخرين، بين ابتزاز رخيص، وتلميع فاضح مدفوع الثمن، وهي وسائل مقيتة لا تليق بشرف المهنة ونبل القلم، ولكن، كيف يفقه هؤلاء ما نذهب إليه وقد سقطوا بين جحود مذموم وحقد مسموم؟!، فلنردد ما قاله الرجل الفاضل: إن أنصفوا مشكورون، وإن جحدوا معذرون، وإن حقدوا مرثيون، ولله في خلقه شؤون، وكفى!..