حين اختار الشعب اليمني ممثلاً بطلائعه في الحركة الوطنية طريق الثورة.. لم يكن الاختيار من فراغ.. لكنه نتاج للمعاناة، والبؤس، والظلم، والحرمان، والجهل، والمرض، والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، والفقر، والاستبداد الذي فرضه عليه النظام الحميدي الأسري الكهنوتي الظلامي في شمال الوطن، والاستعمار البريطاني في جنوب الوطن. وقد ظلت الحركة الوطنية تسعى للإصلاحات لكنها لم تجد سوى الصد والتنكيل والذبح لرجالها.. وفشلت كل محاولات التصالح والإصلاح مع الأسرة الحميدية التي أصرّت على استبدادها بالحكم، وإصرارها على التخلف والظلم لتتحول الحركة الوطنية إلى اليقين الثوري الذي صار ضرورة للتحرر من الاستبداد الحميدي في الشمال، ومن الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن. وتعالوا نقرأ الفقرة الأولى من الهدف الأول للثورة اليمنية الخالدة الذي يقول: «التحرر من الاستبداد والاستعمار» هذه الفقرة تؤكد تحول الحركة الوطنية من محاولات الإصلاح والدعوة إليه إلى الإيمان بالفعل الثوري للتغيير، وتحرير الشعب اليمني من كلا النظامين الاستبدادي الحميدي، والاستعماري الانجليزي. وكان الفعل الثوري هو عقيدة تنظيم الضباط الأحرار الذي نشأ في أواخر الخمسينيات من مجموعة من الضباط الصغار الذين تعلموا في الكلية الحربية، وبالذات أولئك الذين ابتعثوا للدراسة العسكرية في العراق، فتأثروا بما يجري على الساحة العربية من تطورات وتحولات رسخت عقيدتهم بالتغيير الثوري، والتخلص تماماً من الحكم الحميدي المستبد، والاستعمار الانجليزي. وقد كان للثورة المصرية عام 1952م أثر كبير في تفكير الضباط الشباب، وما عرفوه عن تنظيم الضباط الأحرار في مصر، حيث كان صوت الثورة المصرية يرتفع وينتشر صداه على امتداد الوطن العربي يحث ويشجع ويدفع الشعب العربي للثورة ضد الاستبداد والاستعمار والرجعية. وسرعان ما شكل الضباط الأحرار في اليمن تنظيمهم السري «تنظيم الضباط الأحرار» وسرعان ما خططوا للثورة.. إذ لم يمض وقت طويل على تنظيمهم حتى قاد ثورة اليمن لينقض على الحكم الحميدي في الشمال، ويعد وينظم لإطلاق الكفاح المسلح في الجنوب ليعلنوا التحرر من الاستبداد والاستعمار، وقيام حكم الجماهير ليلتف الشعب حول الثورة وينتصر لها، ويرسخ النظام الجمهوري.