عادة يتبلور الموقف الشعبي تجاه الأحداث والقضايا المختلفة من مدى مشروعيتها وعدالتها، لذلك حين لم يجد اليمنيون أية قضية أو مطالب لدى الحوثيين لإشعال فتيل الحرب اصطفوا خلف القيادة السياسية، وآزروا القوات المسلحة والأمن في الحرب ضد المتمردين. ويبدو لنا من مجريات الأحداث أن الموقف الشعبي رغم قوته إلا أنه لم يجد إلى حد الآن من يستثمره في الاتجاه الصحيح.. وهو أمر غير مناط بأجهزة الدولة، بل بالقوى الوطنية المختلفة سواء كانت أحزاباً وتنظيمات سياسية أو منظمات مدنية، ونقابات، واتحادات، ومراكز وأندية، وغيرها من التكوينات التي كان ينتظر منها المبادرة الطوعية لاستثمار الموقف الشعبي بصورة أفضل مماهي عليه اليوم. فالكل يعلم أن الحرب تستهدف سيادة الوطن، وأن المتمردين جعلوا كل من لا يقف معهم عدواً، وزجوا بآلاف الأبرياء من أبناء صعدة إلى الحرب تحت تهديد السلاح، وانتهكوا حرمات كل شيء.. وبالتالي لم يعد مجدياً أن نضع أنفسنا تحت عنوان «أضعف الإيمان» من خلال استنكار الفعل بقلوبنا. فمنذ أيام بدأ البرد يداهم مدننا، وبدأ الكثيرون يتذمرون وهم داخل بيوتهم، فكيف حال أهلنا الذين شردهم المتمردون وأصبحوا يعيشون في المخيمات المخصصة للنازحين؟.. ألا يستحقوا من القوى الشعبية أن تبادر لتبني حملات وطنية لإغاثتهم.. وهل سنكتفي بقوافل الإغاثة التي أرسلناها قبل مدة، كما لو أنها لن تنفذ. كما أن هذا الموسم معروف للجميع بأنه موسم تفشي الأمراض، فأين نقابات الأطباء والصيادلة لتبادر إلى تنظيم حملات إغاثة طبية للنازحين، فتجمع الأدوية، وتشكل فرق متطوعين تتناوب على التواجد في المخيمات وتقديم الرعاية الطبية. علاوة على ذلك، فإن هذه الفترة هي فترة بدء العام الدراسي، وجميع بيوتنا تهيأت لذلك واشترت لأبنائها لوازم الدراسة، فما الذي يمنع نقابات المعلمين أو أية مؤسسات ثقافية لتبني حملة نوعية للتبرع بلوازم الدراسة من أجل أطفالنا النازحين.. وتشكيل فرق تعليمية من معلمين متطوعين للتدريس في معسكرات النازحين.. لماذا حتى هذا اليوم لم نجد من يطلب من أطفالنا التبرع بقلم رصاص واحد لأطفال صعدة، فالمسألة ليست بالقيمة المادية وإنما بالقيمة المعنوية للتبرع بقلم، التي تغرس الحب والألفة في نفوس الأطفال، وتعمق لديهم الاحساس ببعضهم البعض والتكافل. اليوم في جميع مدننا عوائل نازحة، تسكن هنا أو هناك وتكابد ضنك العيش ومعاناة التشريد بصمت شديد، فهل من مبادر لحث الناس لتفقد احتياجاتها، ومد يد العون إليها؟.. ما الذي يمنع المجالس المحلية لتبني عمل حصر لها، وطلب عون الميسورين وأهل الخير لكفالتها حتى يشاء الله أمراً يعودون فيه إلى بيوتهم معززين مكرمين. إن شعبنا شعب طيب وكريم ومشهود له في مثل هذه المواقف، غير أنه لم يجد من يبادر ويقود الحملات الشعبية.. فلا يكفي التعاطف بقلوبنا.. ولايكفي التذمر والشكوى بأفواهنا.. بل هو العمل بأيدينا ماينبغي أن نقدمه في هذه الفترة العصيبة.. فبادروا اليوم لإغاثة النازحين لأنهم لن يحتاجوكم غداً حين يعودون إلى بيوتهم آمنين بنصر من الله.