في أي مجتمع يمثل الأساتذة الجامعيون صفوة المجتمع وقادته، من هؤلاء يتم اختيار الوزراء والخبراء والاستشاريين، ومنهم من يبدع ويبتكر ليصل إلى درجة عالم في مجال ما من مجالات العلوم، والحصول على هذه الدرجة العلمية يتطلب سمات شخصية ونبوغاً علمياً وإدراكاً معرفياً وإلماماً بقضايا المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية. الاختراعات العلمية والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية التي غيّرت طبيعة الحياة وخدمت الإنسان في صحته وأكله وسفره وراحته، هذه الاختراعات كان مصدرها مراكز الأبحاث في الجامعات، وكان الباحثون هم أساتذة هذه الجامعات. لا يجد الأستاذ الجامعي نفسه بالعمل الإداري، ولا يستمتع بممارسة «الهنجمة» على زملائه أو الإداريين في الجامعة مهما كان هذا العمل الإداري مغرياً؛ لأنه لا يجد نفسه إلا في معمل الأبحاث أو في الميدان يقرأ ويحلل قضايا المجتمع ومشكلاته أو في أوساط طلابه ينثر عليهم درر علمه. أين موقع أساتذة الجامعات اليمنية من المكان الطبيعي للأستاذ الجامعي، وهل تدني مستوى التعليم العالي ورداءة مخرجاته مرتبطة بتدني مستوى الأستاذ الجامعي، وأين يكمن الخلل في أدائه، هل في شخصيته، أم في تأهيله، أم أن النظام الإداري الجامعي هو المسئول عن كل ما سبق؟!. مشكلة تدني مستويات الأساتذة الجامعيين هي امتداد لأزمة إدارية واجتماعية تغلغلت في كل مفاصل النظام الإداري في ظل غياب الرادع القانوني أو الاجتماعي والأخلاقي. فقد الأستاذ الجامعي هيبته بين طلابه، كما فقدها «المعلم» في التعليم العام، وفقد مكانته الاجتماعية التي كانت تميّزه عن غيره من أفراد المجتمع لأنه تخلّى عن الصفات التي تؤهله لهذا التميّز. في غمرة الصراع الحزبي في تسعينيات القرن الماضي كان السباق محموماً للاستحواذ على الجامعات والكليات، فحصل العديد من أنصاف المتعلمين ومن المحسوبين على هذا أو ذاك من الأحزاب على درجات علمية غير مستحقة، وهو ما عكس نفسه حالياً عند انتقال هؤلاء للعمل في الميدان بعد حصولهم على شهادتي الماجستير والدكتوراه بأساليب يعلمها الجميع وبدعم من جهات حزبية وسياسية، لم يستطع هؤلاء العمل في التدريس، ولم نجد لهم إنتاجاً علمياً يتناسب ومؤهلاتهم، وأصبحوا يشكلون عبئاً على الجامعات اليمنية وكابوساً يؤرق الطلاب. ما الذي قدمته الجامعات من أبحاث ودراسات تتناول مشاكلنا وهمومنا العلمية والاقتصادية والاجتماعية، وما هي الأبحاث العلمية التي قدمها أساتذة الجامعات في المؤتمرات العلمية، أو في الدوريات التي تصدرها الجامعات، إن كانت هناك دوريات؟!. ولا أريد أن أغمط موقفاً لأحد أساتذة الجامعة حين ردّ على تساؤلي حول أن أدراج الجامعة تعج بالأبحاث العلمية إلا أن الجهات المختصة لا تأخذ بهذه الأبحاث. لكنني أضع عليه تساؤلاً مشروعاً: لماذا تم حجب جميع جوائز مؤسسة «السعيد» المخصصة للأبحاث العلمية؛ رغم أنها تقدم حوافز جيدة لأي باحث، أليس هذا دليلاً على وجود أزمة حقيقية في وظيفة الجامعات اليمنية؟!. لقد غابت المؤتمرات العلمية عن الجامعات، وانعدمت مراكز الأبحاث وورش العمل، واستبدلت بمهرجانات خطابية وحلقات للنميمة وحياكة المؤامرات على بعضهم البعض بهدف الوصول إلى مراكز إدارية على حساب العمل العلمي الأكاديمي. مخرجات التعليم الجامعي هزيلة لا تستطع أداء دورها في تطوير المجتمع أو في إحداث تحول في الأداء التنموي؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وأذكر هنا موقفاً لإحدى مديرات المدارس المشهود لها بالجرأة والشجاعة عندما جاءت إلى أحد عمداء الكليات قبل سنوات تستفسر منه عدم قبول إحدى الطالبات في كليته رغم حصولها على معدل يفوق ما حددته الكلية للقبول، قال لها العميد: إن الطالبة «غبية»!!. فردّت عليه: إن هذه «البهيمة» هي من مخرجات الغبي الذي تخرج من تحت يديك!!. بقدر ما للألفاظ من جلافة وقوة إلا أنها شخّصت واقعاً مريراً نعانيه في التعليم العام والتعليم الجامعي. الموضوع الأكثر إلحاحاً في الجامعات هو التعليم الموازي والنفقة الخاصة الذي فتحت الجامعات أبوابها له بذريعة مواجهة الالتزامات المالية الكبيرة التي أصبحت تثقل كاهل الجامعات، والاستفادة من هذه العائدات في تطوير الكليات، وتوفير احتياجاتها المعملية والبحثية، وتأثيث القاعات الدراسية. وخلال سنوات من جني أموال التعليم الموازي ظلت هذه الأموال بعيدة عن أعين الرقابة، وتحوم حولها الكثير من الشكوك وسط صمت من كل الأجهزة الرقابية وغياب لائحة منظمة لعملية الصرف وآلياته!!.