كنت - في العدد الماضي - قد أثرت جملة من التساؤلات حول التعددية والوعي الثقافي والسياسي، وفي هذا العدد أطرح قضية الوعي الثقافي التي أعتقد أنها أساس القضايا، فأي مجتمع يكون على درجة عالية من الوعي الثقافي والمعرفي بكل تأكيد فإن هذا الوعي المعرفي سيجنبه الكثير من المثالب، غير أنني هنا أتألم كثيراً أن مسألة الوعي المعرفي وإدراك مجريات الأمور في الحياة السياسية تشهد قصوراً كبيراً ليس على مستوى المواطن العادي بل على مستوى النخب السياسية التي يفترض فيها أنها على درجة عالية من الوعي المعرفي وتدرك خلفيات المشهد السياسي وتستطيع أن تتعامل معه وفق الثوابت والرؤى الوطنية التي تقدس المصلحة العامة للوطن. إذ المحزن حقاً أن نجد النخب السياسية التي وضعت نفسها على قمة الأحزاب والتنظيمات السياسية في ساحة العمل الوطني تفتقد إلى قضية الوعي السياسي المعرفي، الأمر الذي جعل هذه الأحزاب غير قادرة على القيام بدورها التوعوي التنويري، ولو كانت القيادات السياسية أو النخب السياسية في هذه الأحزاب تتمتع بقدر كبير من الوعي لأدركت أن واجب التوعية والتنوير من أعظم الواجبات التي ينبغي أن تقوم بها في أوساط القواعد، لم تقم هذه القيادات أو النخب بالدور الذي ينبغي في هذا الاتجاه، بل إن الواقع يؤكد أن هذه القيادات تركز على الإثارة والتشويه أكثر من اعتمادها على التوعية الدستورية والقانونية وتبصير الناس بالحقوق والواجبات وإرشادهم إلى الوسائل والطرق الدستورية والقانونية التي بموجبها يحصلون على حقوقهم ويقومون بالواجب الوطني على الوجه المطلوب. إن المرحلة المقبلة تتطلب قدراً من المسئولية الوطنية التي ينبغي على الأحزاب والتنظيمات السياسية القيام بها وهي قضية التوعية لخلق وعي مجتمعي مستنير بكل ماهو نافع ومفيد وأن تبتعد تلك الأحزاب والتنظيمات السياسية عن سياسة الابتزاز والتضليل وأن تتحمل أمانة المسئولية وتدرك بأن اليمن فوق الجميع وأن المساس به مساس بقدسية البقاء على وجه الأرض، فهل تدرك هذه الأحزاب هذه الحقيقة وتقوم بالواجب؟ نأمل ذلك بإذن الله.