على عتبات العام الجديد، يقف المرء متحيراً أمام حصيلة العام المنصرم الذي تثاقلت أيامه، وتباطأت ساعاته الأخيرة، على غير عادتها,وكأنها تعاندنا ولاترغب في وداعنا، أو تركنا لحال سبيلنا، لتدع المجال لغيرها إيذاناً ببدء عام جديد قد يحمل معه آمالاً جديدة لشعبنا الذي أنهكته الكوارث والأزمات المتلاحقة والصراعات ودورات العنف، التي طالت كل شيء ولم تترك لنا شيئاً كثيراً وجميلاً للذكرى، ربما باستثناء محطات مضيئة قليلة، أنعشت آمالنا وجددت أحلامنا في كل مرة بقرب انتهاء تلك الأزمات، وتطويق تداعياتها، وإحراق ملفاتها القديمة. وأحسب هذا حال أغلب مواطني المعمورة، باستثناء بعض المحظوظين هنا أو هناك، أو بعض المقامرين والمغامرين المستفيدين من أزمات ومصائب القوم، والمتاجرين بآلامهمp وآمالهم، وكأن لسان حالهم يردد المثل المعروف:«مصائب قوم عند قوم فوائد»، وخاصة الذين ابتلوا بصنوف شتى من الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية والكوارث الطبيعية المتعاقبة والمتزامنة، أو المصطنعة، لم تقف عند حدود الزلازل والفيضانات والأعاصير، وموجات الصقيع والبرد القارس، ليضاف إليها مرض أو جائحة انفلونزا الخنازير«H1N1» الذي أصاب وقتل أعداداً غفيرة من البشر في كل دول العالم، وعلى مايبدو أنه لم يكن كافياً لقتل أعداد أكبر من البشر، أو إدخال الرعب إلى قلوبهم بالقدر الذي يقضي على كل أمل لهم في الحياة على هذه البسيطة، ليبشرنا الإعلام بظهور مرض جديد يسمى انفلونزا الماعز، فيما يبدو أنه يؤسس لمتوالية مرضية حيوانية من أشد أنواع الأمراض المعدية والفيروسات القاتلة التي عرفها الإنسان، ولعل بقية أنواع الحيوانات الأليفة والمتوحشة على قائمة الانتظار!! أو ربما نسمع عنها في القريب العاجل، «فالمصائب لاتأتي فرادى، وإنما تأتي مجتمعة». ليس تطيّراً أو تبرُّماً من واقع أليم ومعاناة طويلة عشناها فرادى وجماعات طيلة سنة طويلة تأبى الرحيل، فالحمدلله على كل حال، ولاتزلفاً أو تودداً من عام آخر لاندري مايخبئه لنا بين ثنايا أيامه وأسابيعه من أحداث ومحطات قادمة، قد تكون كسابقاتها أو ربما أشد قتامة وقسوة وصعوبة وفقراً، أو قد تكون إيذاناً بفرجٍ قريب يأتي بعد ضيق شديد«لأن بعد الضيق يأتي الفرج»، ولأن الأمل بمستقبل أفضل، وعيش كريم، وحياة آمنة ومستقرة في وطن موحد، يبقى وحده الذي يمدنا بالقوة لنقاوم صروف الزمن، وتقلباته، ومفاجآته، وأزماته، وعوامل التردي والقحط والجدب الأخلاقي والسياسي، التي يبدو أنها عقدت حلفاً شيطانياً بائساً وحاقداً لتفتّ في عضد وعزيمة الإنسان اليمني أينما كان، وتقهر إيمانه الشديد بالله، وتمتحن قوة صبره على الشدائد والنوائب في وطنه، وتقضي على كل بارقة أمل تلوح في الأفق. لاشك لدي أن تلك الآمال تراود بال شرائح كبيرة من أبناء مجتمعنا، وهم على عتبات العام الجديد، وربما تراودهم جميعاً، لكن الآمال والأماني الطيبة وحدها لن تكفينا لمواجهة كل أزماتنا ومشاكلنا الوطنية، ولن تخمد جذوة نار فتنة طائفية وعقائدية ومناطقية اشتعلت وأيقظت النوازع والأحقاد، والأطماع المكبوتة، وألغت الروابط التاريخية والدينية والعصبية بين أبناء الشعب الواحد، إذ الأمر يتطلب عملاً وطنياً صادقاً، وحواراً سياسياً جماعياً جاداً، ومضنياً، ومتواصلاً، ومخلصاً، ومسئولاً، وأميناً، للخروج بوطننا من نفق الأزمات، وصيانة وحدتنا الوطنية، وحقن دماء أبنائه، فهل يتحقق لنا ذلك أملنا في الله كبير، وفي كل المخلصين من أبناء هذه الأمة. وكل عام والجميع في ربوع وطننا الحبيب بألف خير. ٭ جامعة إب