في القرية وأيام الطفولة سمعت عن الطبيب الشعبي «عبده بن أحمد» رحمه الله وكيف كان يطوف القرى ليقدم خدماته الطبية أو يذهب المرضى إلى بيته بحثاً عن الشفاء. كان يستخدم الأعشاب الطبية حيناً ويستخدم العلاج بالقرآن الكريم والأدعية حيناً آخر، وصفاته الطبية يكتب لها التوفيق مرة وتفشل مرات إلاَّ أن شفاء حالة على يده كانت أصداؤها تسمع في كل قرية وتنهال عليه كلمات الثناء والمديح . ويوم الأحد الماضي كنت في زيارة عمل إلى مدينة دمت وعند توقفنا بأحد شوارعها سمعنا عبر مكبرات الصوت صوتاً يسمع في كل أرجاء المدينة لشخص يردد ما يسمى «الرقية الشرعية» دفعني الفضول لأسأل أحد أصحاب المحلات التجارية عن مصدر هذا الصوت وما هو عمل صاحبه فرد عليَّ وكان شيخاً طاعناً في السن إنه «يُخرج الجن» سألت نفسي بخوف!! هل يكون الجني قد تلبس بأهل المدينة جميعهم حتى يستخدم الرجل مكبرات الصوت وعدت لأسأل الرجل وهل فعلاً يستطيع إخراج الجن فرد عليَّ من أراد له الله بالشفاء: يتعافى بإذن الله. وفي الأسبوع الماضي كانت الطفلة سهى التي لا يتجاوز عمرها العام قد أصيبت بمرض طارئ فتم إسعافها إلى إحدى العيادات الخاصة لطبيبة مشهورة شخّصت الحالة بأنها التهابات على الرغم من أن أم الطفلة تطرح عليها الأعراض بدقة تجعل المبتدئ في علم الطب يفهم الوضع الصحي للطفلة وأن حالتها ليس لها علاقة بالالتهابات، ثقة الأم بالطبيبة جعلها تأخذ علاجاً ب «5000» ريال وتعود إلى المنزل لتجرعها الأدوية إلا أن أي تحسن لم يطرأ على صحة سهى بل زادت سوءاً. أحد المستشفيات الخاصة كان هو المحطة الثانية لسهى وبعد جولة على كل أقسام المستشفى وتنفيض جيب والدها من آخر مائة ريال كانت فيه قرر الطبيب أنها لا تعاني من شيء سوى «شوية» التهابات من البرد وسينتهي كل شيء ولم ينس توجيه اللوم للأم لأنها لم تحافظ على ابنتها!! لم تقتنع جدة الطفلة وذهبت بها إلى «السويدي للأمومة والطفولة» «النقطة الرابعة» لمعرفتها بوجود أطباء متخصصين بالأطفال وعلى الفور أقر الطبيب إجراء «كشافة» لتتضح الصورة أن الطفلة تعاني من انسداد في الأمعاء وأحالها إلى مستشفى الثورة العام في وقت متأخر من الليل.. سرعة التصرف من قبل الطبيب المستلم واستدعاؤه للطبيب الجراح «د. أحمد الشرماني» وسرعة إنجاز العملية خلقت انطباعاً جيداً لدى أسرة الطفلة حتى أن جدة الطفلة قالت عبارة: «الدولة أم» لتعبر عن مدى تأثير الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها إذا ما استطاع القائمون على هذه الخدمة توفيرها بسهولة ويسر للمواطنين. الأقدار ساقت الطفلة سهى إلى طبيب تفهّم حالتها بعد أن فشل طبيبان في تشخيص مرضها تشخيصاً صحيحاً، كم من المرضى فقدوا حياتهم بسبب عدم قدرة الأطباء على التشخيص الدقيق والقريب؟!. إن هؤلاء «أدعياء الطب» في كل حالة يسوقونها إلى القبر لم يبحثوا في أسباب الوفاة الحقيقية ويكتفون بالقضاء والقدر كمبرر لفشلهم. ما الفرق بين طبيب القرية «عبده بن أحمد» وصاحب دمت وأطباء هذا الزمن؟! لا فرق إلاَّ بالملبس فقط، كان «عبده بن أحمد» يلبس ثوباً وعمامة ومثله صاحب دمت والأطباء «المودرن» يلبسون البذلة وربطة العنق لأن جميعهم «متهبشون» وعلى الباري يخارج!! مازالت مرارة موت زميلنا نجيب الشرعبي وزوجة الزميل زكريا الكمالي والطبيب زاهر نجيب ماثلة أمامنا ليس لأنهم معروفون لدينا بل لأن أطباءنا لم يتعرفوا على حالتهم الصحية ولم يشخصوا مرضهم حتى الآن وكلها التهابات!! قاتل الله هذه الالتهابات التي قتلت عشرات الأشخاص. المستشفيات الخاصة التي انتشرت في كل مكان هل يُفعّل القانون لكبح جماح الجشع المادي الذي يسيطر على تفكير مالكيها، هذه المستشفيات لا تمتلك أطباء متخصصين ولا أطباء مقيمين في تخصصات رئيسية وتعتمد على المقاولات بالقطعة وعلى المريض الانتظار حتى يأتي الطبيب، لماذا تمنح هذه المستشفيات تراخيص؟ وأين دور الرقابة عليها بعد منح التراخيص لمعرفة مدى التزامها بشروطا؟! لماذا لم نسمع عن إغلاق مستشفى رغم كل الكوارث التي نسمعها، آخرها موت طفل وهو يجري عملية لوزتين وآخر تم استئصال عضوه الذكري في عملية ختان كان «المُزين» في القرية يجريها بنجاح تام؟! لماذا لم يتم فصل أي طبيب من النقابة ثبت عليه عدم القدرة والأهلية من ممارسة المهنة؟ لماذا.. لماذا.. لماذا... يا وزارة الصحة أوضاعنا الصحية تزداد سوءاً؟!