الانتماء مسلّمة ربانية فطرها الله في الناس منذ الخليقة حتى اليوم، وهو السر في الحفاظ على المعتقدات والأديان والأوطان، ثم الأسرة التي هي الخلية الأولى للمجتمع وهكذا الحال سيستمر في جريان لا توقف فيه إلا إذا أصابه خلل ما. وبالنظر إلى الحياة فإن الناس يعيشون أشتاتاً مختلفة، كل على بيئته وحياته المجتمعية لكن يجمعهم وطن واحد وسقف آمن واحد حتى وإن تفرقت أهواؤهم أو تباعدت بفعل العمل والمعيشة وغير ذلك، لكن يظل انتماء الجميع ضرورة ملحة وهامة! والانتماء للأوطان هو إحدى المسلمات التي لا انفكاك عنها، مهما كانت العوائق والكوارث، فلا حياة للإنسان مستقراً إلا بوطنه، مهما نأى عنه أو بعد أو حتى كرهه لسبب ما، ورحم الله الشاعر الأغر القائل: «ولي وطن آليت ألاّ أبيعه وألاّ أرى غيري لهُ الدهر مالكا» هكذا هي الأوطان في فلسفة الحياة والانتماء ، أليس ذلك ترجمة حقيقية لروح الإنسان الذي اختصه الله بسمات ومميزات عن سائر المخلوقات وجعلها في عقله وسلوكه ليرى مدى الحب للأوطان، مهما تباعدت المقاصد والمغازي ولذلك نتذكر بفخر أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال: «وللأوطان في دم كل حُرٍ يدٌ سلفت ودينٌ مستحقُ..» لكي تتجسد بذلك اسمى معاني الحرية والأخلاق والوفاء الذي هو أصعب وأرفع الخيارات التي يمتحن بها البشر إزاء المشكلات عامة! نحن في اليمن كغيرنا من البشر، نفخر بالانتماء لوطن واحد موحد رغم الأنواء والمشكلات وليس هناك بلد ما لا يعيش مشكلات أو نوازل هنا أو هناك، فسنة الحياة أن الاختلاف لايفسد للود قضية، وأن القضية يجب أن تجسد مبدأ الخلاف الذي يفضي إلى الأمان والاستقرار وخلق التنافس الخلاق الذي يعطي المجال للأفضل حتى ولو كان هناك من هو سيئ وأناني، فالقاعدة تقول لا يصح إلا الصحيح ومهما طال الليل فلا بد له من نهار ، وحتماً يكون النهار أفضل لأنه سنة من سنن الخلق، لكن الليل تكون فيه السكينة والدعة وأخذ قسط من راحة الحياة الهانئة جراء صخب الحياة في نهارها وهلمّ جرّا. الحياة لوحة فلسفية لا يعرف مغازيها وألغازها إلا من يقدس الأوطان وشريط الانتماء الموجود في الدماء الدفاقة التي هي «أس» الحياة وأساسها فهل نحن شعب قادر على تجسيد الانتماء بأروع صورة؟! تلك أمنية نأمل تحققها إن شاء الله تعالى. ؟!