أصبحت الديمقراطية مسألة ملحة ورئيسة للتربية الحديثة داخل الأسرة وخارجها.. فالعلاقة التي تقوم على الحوار وتنظر إلى الطفل على أنه شخص قائم بذاته تنمي شخصيته وتنشط تطوير قدراته المعرفية واللغوية والانفعالية وتفتح أمامه آفاقاً رحبة للنمو من مختلف الجوانب، فالعلاقة التربوية القائمة على الحوار تجعل الطفل معنياً بما يدور حوله فاعلاً في هذا العالم ومؤثراً فيه يتعود تدريجياً على تحمل المسئولية وتنمو لديه الثقة بالنفس، كما أن الحوار يعوّد الطفل ضبط السلوك وتبادل الأدوار وينمي عنده قدرة التواصل ومهارة التبادل مع الآخرين مما يمكنه من دخول الحياة من بابها الواسع واثقاً من نفسه، متفائلاً نشطاً في دوره وباحثاً عن تجديد مكانته. وليست الديمقراطية مسألة سياسية فقط وإنما هي مسألة تربوية أيضاً يجب أن تبدأ في البيت العربي أو اليمني في المراحل الأولى من نمو الطفل وفي علاقاته الأولى مع الأسرة، فالحوار يولّد العقول وينمي الذهنية وأصول المعرفة والثقافة بحيث تصبح بمرور الزمن أساساً مهماً من أسس التربية الحديثة وما أحوجنا في هذه الفترة الحالية إلى ضرورة تطوير مهارات الحوار عند الصغار والكبار على حد سواء وبين الأهل وبين الطفل وبين المربين والمعلمين والمعلمات والتلاميذ باعتباره ضرورة تربوية وهو بالنسبة للطفل حاجة من حاجات نموه وتفتحه. إن الحوار مسألة تربوية وثقافة الحوار تضرب جذورها في أعماق الطفولة المبكرة وتعميق هذه الثقافة يرتبط بإعادة التفكير في النظام التربوي برمته والشخصية الانسانية برمتها هي محصلة لمنظومة متداخلة من الخبرات التربوية التي عاشها الفرد تتأثر خصائصها بطبيعة النموذج التربوي الذي عرفته فالتربية القائمة على الحوار والديمقراطية تؤثر تأثيراً عميقاً في استجابات الفرد وفي انفعالاته و تنمي القدرة على تبادل الأدوار والقدرة على الاصغاء وضبط السلوك والسيطرة على الانفعالات على عكس النموذج الآخر الذي لايتيح حرية التعبير ولايسمح بتقديم الكثير من الفرص لضبط السلوك والانفعال مما يفسر سرعة الانفعال التي كثيراً ما تعطل الحوار في الثقافة العربية. وكثير من المربين يتحدثون عن مدرسة الضرب وعن العقاب كوسيلة تربوية وهذا يشير إلى أي مدى كانت قضية التربية القائمة على الحوار ومازالت مهمشة في الواقع العربي ويجب هنا إلغاء مصطلح الضرب من قاموس التربية الحديثة الغاءً نهائياً لأن الضرب يضر الطفل ويعرقل نموه وتعلمه وتطور قدراته المختلفة إنه جزء من ثقافة الاستبداد ونقيض الحرية والديمقراطية والحوار والتي تقتل روح الابداع والقدرة على تحمل المسئولية.