اليتم ليس قصة سياسية دامية ترويها مكاتب التاريخ ..وليس رواية عاطفية تراقص ثكنات الجسد..وليس فصلاً لمسرحية كوميدية تخلخل أضلاع القلب ضحكاً.. هو ليس معلقة خالدة تتشرب مسامعنا برناتها العذبة ثم لاتلبث الحياة أن تنسينا ماسمعنا.. وما رأينا .. اليتم وجع الآلام وصوت زفيرها خلاصة الأسى الذي لاترياق له .. إنه الدمعة الحارة التي تشعل في طريقها بساتين الرعاية والأمان .. إنه الطامة التي تشتت الجمع وتفرق الأحبة وتكتب على جبين الأبرياء التعب.. وحين يكون الحال كحال الكثيرين الذين يمسكون السماء بأيديهم النازفة شقاءً وكمداً.. وتكون الحياة عند البعض الكثير ليست كما هي عند البعض القليل.. لا لوناً ولا شكلاً ولا معنى.. عندها يكون موت الأب لايعني يتماً فقط بل هو كارثة تسونامية يعيشها الفقراء وحدهم حين ينقطع عنهم خيط العطاء الرفيع الذي كانت اصابع اليد الأبوية تغزله حول أجسادهم الصغيرة.. اليتم ليس كارثة تعم ولا مصيبة تطم وكفى إنه الباب الأسود الذي يفتح مصراعيه إلى الهاوية لأطفال لم يتعلموا بعد معنى الحياة بلا عائل.. ولا يدركون الكيفية التي يتعاملون بها مع أزماتهم الخانقة.. ولا تستطيع ايديهم الصغيرة أن تصنع المستحيل لتعيش بأمان، أولئك الأطفال الذين نجدهم يومياً حيثما ذهبنا يبتاعون الشفقة ويبيعون الدموع الحارة لجمعها من الناس وهيهات أن يشعر الناس بحجم الألم الذي يخضع قلوب الصغار حين يمرون عليهم بنظرات عابرة دون أن يحاولوا المسح على رؤوسهم وتقديم المساعدة لهم وايواء العاري من اجسادهم دور الأيتام وحدها لاتستطيع السيطرة على هذه المشكلة لانها اصبحت تتفاقم لأسباب كثيرة والموت في النهاية همّ اهم أسباب هذه الظاهرة .. الحرب.. حوادث السير .. الأمراض المنتشرة مؤخراً.. قتل الكثيرون.. وبقي الأكثر خلف قضبان الحياة وأمامها يعيش كثيرون لايقدمهم اليتم للمجتمع كآية مقدسة أو باب من أبواب الجنة أو حتى أثر من سنة خالدة إنما العكس تماماً هو مايحدث حيث يلقى الأيتام معاملة دونية قذرة فيستغلون مقابل الحصول على القليل بتقديم الكثير الكثير من القذارة وهتك الستر الإنساني واغداق الذل على معالمهم الذابلة..والحال لايخفى على احد منكم لكني لا اخاطب إلا البشر منكم الذين لهم افئدة نابضة بالإنسانية الذين لم تحولهم الدنيا إلى متاع لها الذين يؤمنون بالمآل الأخير ويصدقون بيوم الحساب ويعتقدون بالصراط ولا أشك انهم قليل.. بل هم كثير إن شاء الله في دورة تدريبية قبل أيام وكما جرت العادة في تلك الدورات تم عرض قصة واقعية كمثال على العنف الذي يعاني منه الأطفال في المجتمعات الفقيرة ومن ضمنها مجتمعنا.. الطفلة ذات السبع سنوات فقط وبينما ذهبت لاحضار الماء من البئر تعرضت لحادثة اغتصاب بشعة بكل معاني البشاعة لاتتم حتى بين الحيوانات ,حيث اغتصبت من رجل لم يبق على موعد زفافه إلا ساعات قليلة.. فقدت عقلها ولازالت إلى اليوم وكلما باغتتها النوبة تصرخ باسم أمها واخوتها تستغيث بهم واحداً تلو الآخر.. ولم يكن هناك من يجيب.. اتساءل لماذا لايكون هناك قانون سريع ورادع لمثل هذه الجرائم اللابشرية؟!.. ما الحاجة لعقد جلسات ومرافعات واداعات ودفاعات والجاني مضبوط بفعل الجرم ولعنة الجريمة واضحة عليه؟! لماذا لايكون هناك قانون يجبر الفاعل على تقديم غرامة مالية باهظة عوضاً عن عقوبة الجريمة نفسها؟! لماذا الصمت عن جرائم الأطفال وقد وصلت إلى اخطر حالاتها لماذا التعامل معها على انها عار أو ليس الصمت عن انتشارها واستفحالها عاراً؟! كيف نصمت عن شبح خفي صار يتسلل خلال بيوتنا يسرق اغلى مانملك يشوه صورة الطفلة التي لم تأخذ حقها اصلاً في مجتمعنا.. ألا يكفي أن يحرم الأطفال في مجتمعنا من المتنزهات العامة الواسعة القريبة من المنازل يحرمون مما يشتهون من الطعام يحرمون من مصداقية التعليم ومن الأمان الاجتماعي اللائق بهم ومن الأحلام الوردية الصغيرة التي يحولها هؤلاء الشواذ من فراشات ناعمة إلى خفافيش قذرة ماذا أبقينا للطفولة إن لم نثأر لها من هؤلاء الذين تحركهم الرغبات وتحكمهم الشهوات وينامون ويستيقظون على الخطيئة.. لم يستخدموا لأجل البقاء إلا النصف الأسفل من الجسد! أما العقول والقلوب والأرواح فهي في عالمها المغيب الذي لاتأتي منه إلا بعد فوات الأوان عليكم ومنذ اليوم أن تحرصوا على اطفالكم كل الحرص وليس اطفالكم فحسب بل من استطعتم أن تحتضنوهم وتقربوهم إلى قلوبكم لاتبخلوا بتعريف الأطفال بالخطر المحدق بهم فالتوعية الجنسية اليوم اصبحت مطلوبة إذ لم يترك السفلة من أبناء السبيل لم يتركوا لنا خياراً آخر غير اعتزال الشوارع واستيطان الحذر.. في مثل هذه الجرائم يجب أن يقف المجتمع بأكمله وقفة رجل إنسان واحد له قلب وعقل سليمان يعي مايفعل ويعلم مايقول.. لايجدي ابداً مانقوم به من الدوران حول مسرح الجريمة كالضباع الجائعة لايجدي اقحام البراءة في هذه السلسلة الطويلة من الجرائم إنما جزاء رادع مادي ومعنوي وعقوبة قاصمة لظهر المعصية وبعد ذلك مشروع لحماية الأطفال في كل ربوع اليمن مدينته وريفه.. شوارعه ومنازله. والآن ولتكونوا ضمن الصورة وداخل النص تخيلوا معي كيف ستمضي تلك الطفلة ماتبقى من عمرها بعد أن خضعت لعدة عمليات وفقدت عقلها وأصبحت في عداد الموتى.. هل سيكتبها التعداد ضمن سكان اليمن؟! هل لحياتها بعد اليوم مذاق أو معنى؟! هل سيحتمل احدكم أن تكون فتاته الصغيرة مكانها؟! إذاً فعلينا العمل لتوفير الأمان الاجتماعي كل من مكانه ومما بين يديه أو لايكفي هؤلاء الأيتام حرمانهم من عطف الأب وحنان رب البيت ليأتي هؤلاء بالبؤس والشقاء فيسقونهم إياه على بركة دم وألم.