لا يحتاج الإنسان للعلاج لمجرد أنه مريض مرضاً بيّناً، فالأصل أن هذا الإنسان يدب على الأرض وفي دواخله قابليات المرض والاعتلال، ذلك أن أسباب التلف موجودة في داخل الإنسان بالمعاني الفيزيائية والنفسية أيضاً، والدليل أن الطفل الصغير يمر بمراحل مرضية من حُمّيات ونزلات برد والتهابات تؤشر في مجملها إلى صراع داخلي بين جهاز المناعة والفيروسات، وتؤشر أيضاً الى علاقة الجسم بالوسط المحيط، فإذا تعرض الجسم لبرودة شديدة يعتل، وإذا أفرط الإنسان في الأكل اعتل، وإذا أفرط في الجوع يعتل أيضاً. يتساوى في هذه المسألة الجميع من الأطفال الرضع وحتى الكهول مروراً بالفتوة والشباب. يسير الواحد منا في دروب الحياة حاملاً أسباب الاختلال الداخلي لتوازنه الجسدي والنفسي. إنه أشبه ما يكون بالآلة الموسيقية التي تحتاج إلى «دوزنة» دائمة، فاذا جاع لابد أن يأكل، وإذا أكل عليه ألّا يفرط في الالتهام، وإذا صحا لابد له أن ينام . يقول الشاعر الحُميني : ومن سهر لابد له ما ينام ومن بكى لا بد يسلا وبهذا القول يحدد الشاعر اليماني ماهية الموسيقى الجبرية التي يفترض أن تحكم حياة الإنسان، وكيف أنها تستقيم على صراع الأضداد، حتى إن الصحة والمرض في حالة تواشج وتبادل لأدوار، وتصالح، وصراع أيضاً، وإذا ما انفرط عقد المصالحة بين الطرفين تغلب المرض وأودى بالإنسان الى السرير أو القبر. كان العرب يُشبّهون المرض بالكائن المفترس الذي يجهز على فريسته، ويقولون «وقع فلان فريسة المرض» والحق أن المرض إذا نال من الإنسان يلتهمه التهاماً، فكم من شاب فتي وسيم عامر بالحيوية والنماء تحوّل الى كائن مشوّه الخلقة ضعيف البنية، واهن وغير قادر حتى على خدمة نفسه، وكم من بطل مغوار وفارس جبار وجد نفسه بين عشية وضحاها تحت طائلة سيوف الأمراض القاتلة. القائد العربي الكبير خالد بن الوليد وجد نفسه منهاراً خائراً أمام المرض ، وقال مستسلماً لغائلة الأيام، متأسياً على ما كان من ماضي زمانه .. قال: لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في جسمي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وها أنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.. إنه المرض والاعتلال يضع الإنسان امام حقيقته الكاملة وكونه في حالة سفر إلى فناء مؤكد.. قال تعالى:«كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فبأي آلاء ربكما تكذبان».