د. عمر عبدالعزيز لايحتاج الإنسان للعلاج لمجرد أنه مريض مرضاً بيّناً، فالأصل أن هذا الإنسان يدب على الأرض وفي دواخله قابليات المرض والاعتلال، ذلك أن أسباب التلف موجودة في داخل الإنسان بالمعاني الفيزيائية والنفسية أيضاً، والدليل أن الطفل الصغير يمر بمراحل مرضية من حُمّيات ونزلات برد والتهابات تؤشر في مجملها إلى صراع داخلي بين جهاز المناعة والفيروسات، وتؤشر أيضا إلى علاقة الجسم بالوسط المحيط، فإذا تعرض الجسم لبرودة شديدة يعتل، وإذا أفرط الإنسان في الأكل اعتل، وإذا أفرط في الجوع يعتل أيضاً. يتساوى في هذه المسألة الجميع من الأطفال الرضع وحتى الكهولة، مروراً بالفتوة والشباب. يسير الواحد منا في دروب الحياة حاملاً أسباب الاختلال الداخلي لتوازنه الجسدي والنفسي. إنه أشبه ما يكون بالآلة الموسيقية التي تحتاج إلى " دوزنة " دائمة، فإذا جاع لا بد ان يأكل واذا أكل عليه أن لا يفرط في الالتهام ، واذا صحا لا بد له أن ينام . يقول الشاعر الحميني : ومن سهرلا بد له ما ينام * ومن بكى لا بد يسلا وبهذا القول يحدد الشاعر اليماني ماهية الموسيقا الجبرية التي يفترض ان تحكم حياة الإنسان، وكيف أنها تستقيم على صراع الأضداد، حتى أن الصحة والمرض في حالة تواشج وتبادل للأدوار وتصالح، وصراع أيضاً، واذا ما انفرط عقد المصالحة بين الطرفين تغلب المرض وأودى بالإنسان الى السرير أو القبر . كان العرب يُشبّهون المرض بالكائن المفترس الذي يجهز على فريسته، ويقولون " وقع فلان فريسة المرض ". والحق ان المرض إذا نال من الإنسان يلتهمه التهاماً، فكم من شاب فتي وسيم عامر بالحيوية والنماء تحوّل الى كائن مشوّه الخلقة ضعيف البنية، واهن وغير قادر حتى على خدمة نفسه، وكم من بطل مغوار وفارس جبار وجد نفسه بين عشية وضحاها تحت طائلة سيوف الأمراض القاتلة. القائد العربي الكبير خالد بن الوليد وجد نفسه منهاراً خائراً وهو على فراش موته، وقال مُستسلماً لغائلة المرض متأسياً على ما كان من ماضي زمانه .. قال: " لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في جسمي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وهانذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء". إنها سلطة المرض والاعتلال تضع الإنسان أمام حقيقته الكاملة، وكونه في حالة سفر إلى فناء مؤكد .. قال تعالى : " كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام * فبأي آلاء ربكما تكذبان " [email protected]