عندما اجترحت الدبلوماسية الأمريكية وصفة الديمقراطية للعالم العربي، وأرادت تعميم مرئياتها واستتباعاتها على الزمن السياسي العربي كانت كمن وضع العربة قبل الحصان، فالنظام العربي المُطالب بتمثُّل وتنفيذ تلك المرئيات إما أن يكون ذات النظام الغائص حتى مخ العظم في الشمول السياسي الاستبدادي، أو أن يكون بديلاً فولكلورياً للاستبداد، وهذا ما نراه الآن في العراق، فلقد أفْضت تجربة التعددية والديمقراطية إلى استقطابات طائفية قصيرة النظر، وجاءت الانتخابات الأخيرة لتُبيّن للقاصي والداني أن النخبة السياسية القابضة على متاهة الجنون ليست في وارد التخلّي عن تقاليد ماضيها العتيد. كانت نتائج الانتخابات العراقية بمثابة رسالة ناجزة قدّمها الشعب العراقي، وكان محتوى تلك الرسالة الشعبية استبدال الإلغاء والتنافي بمشروع وطني، ولقد ظهر الأمر جلياً بعد أن فاضت النتائج بذلك المشروع الوطني، غير أن الطرف القابع في سدة الحكم مُمثلاً في كتلة «دولة القانون» برئاسة المالكي لم تقبل منذ البدء بالنتائج، ولقد تكابرت في غُلوها، ابتداءً من الرفض المسبق للنتائج، مروراً بالمطالبة بإعادة الفرز، بعد أن تبيّن لها أن كتلة القائمة العراقية تقدّمت عن كتلة دولة القانون بمقعدين برلمانيين!!، وأخيراً استخرج المالكي من الإضبارة مشروع «قانون الاجتثات» المُفصّل على المقاسات حد الاحتياط، والذي ينحدر إلى مستوى المكارثية السياسية فاقعة اللون والرائحة. ومن المُضحكات المُبكيات أن الانتخابات البريطانية الأخيرة تشابهت مع العراقية من حيث النتائج الشكلية، لكنها أثبتت أن بريطانيا ليست العراق وأن الثقافة السياسية البريطانية بعيدة عن العقل السياسي العربي بُعد السماء عن الأرض، ونواصل الحديث غداً. [email protected]