في بريطانيا فاز المحافظون بأغلبية برلمانية نسبية، وما كان لهم أن يشكّلوا الحكومة إلا عبر الحوار الذي أفضى إلى تحالف مع الديمقراطيين الأحرار، وهذا ما تمّ بكل مسؤولية . بالمقابل، وبعد أن فشل العماليون برئاسة رئيس الوزراء السابق «براون» في إدارة حوار تحالفي مع الكتلة الليبرالية الثالثة تنحّى براون بكل ثقة وارتقاء، وأفسح المجال للمحافظين وتحالفهم الجديد. ذات الصورة تكررت في العراق مع فارق جوهري، فقد فازت القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي بأغلبية نسبية لا تؤهلها لتشكيل الحكومة إلا بعد تشاور تحالفي مع أحزاب وكتل سياسية أُخرى، لكن الخصم المدجج بالاستيهامات رفض استمرار اللعبة السياسية وفق القواعد التي تم التوافق عليها، وهكذا انفتحت أبواب جهنم لمتوالية صراع عدمي متجدد، لن يبدأ بالكلام، ولن ينتهي بالدماء والدموع فقط . هذه الحقيقة تُبيّن لنا مدى العُقم السياسي الذي نعانيه في عوالم العرب الموبوءة بثقافة المراعي والقطيع، وتشير بالبنان أيضاً إلى أُس المشكلة وجوهرها. على سدنة البيت الأبيض الذين تداعوا مع مشاريعهم الألفية العقيمة أن يستوعبوا الحال الآن، فالمالكي ومن يسير في ركبه أبعد ما يكونون عن العلمانية المرجوة، والتحالف مع المرجعية الدينية شكلاً واللادينية جوهراً، والمسحوبة من أنفها بفكرة «ولاية الفقيه»، والخادشة حتى لمرئيات الشيعة الجعفرية المؤصلة في أساس المذهب تنبري كحقيقة ساطعة، فالإمام بحسب المذهب الجعفري الاثنى عشري لا يجمع بين المرجعية الدينية والحاكمية الدنيوية، وما تمَّ من اجتراح لمرجعية ولاية الفقيه أمر مرفوض من قبل مرجعيات شيعية مُعتبرة، ترى في ذلك تجاوزاً لفقه المذهب، مما لسنا بصدد تفصيله هنا. الاصطفاف الطائفي المقيت في العراق يستبدل الأدنى بما هو أعلى، ويضع العراق فوق صفيح ساخن بالنيران الحامية والعقول الخاوية . حقاً .. شتّان ما بين بريطانياوالعراق، بل شتّان ما بين عوالم العرب السياسية والعالم الآخر.