دهر الثبات عند الشاعر المطبوع يوازي النظر إلى الوجود المُعاين كما هو، ويكون الشاعر عند هذا الحد شاهداً على الحال والمآل .. ودهر التحول عند الشاعر يتوازى مع توقه الدائم وأحلامه الألفية الفاضلة .. أما ما يتجاوز الثبات والتحول فينتمي إلى الماوراء الذي تقبع الصحراء في القلب منه. هكذا بدا لي عياش في تطوافه مع المكان والزمان والمعاني يتعمّد الشاعر نسقاً كرونولوجياً لمصفوفة من القصائد التي تبدأ بالأجد، ثم تتوالى إلى التجارب الأبعد زمناً، لتمتد في الفترة مابين 1996 على 2008م. وفي القصائد الستة الأولى نتوقّف أمام «شيخ الجبال» الرائي كالبسطامي الذي قيل له من أنت يا أبا يزيد فقال: «أنا شيخ الدهر»، والشاهد أن شيخ الجبال وريث شرعي لحكمة الأسلاف الذين يطوون الأرض طياً، ويرمقون العاديات بروح وثّابة، وهمة عالية، ويتربعون في مقام الصمت بوصفه أبلغ تعبيراً من الكلام، ويُناجزون المحن بروح التفاؤل والعطاء، ويتطاولون سمواً وترفعاً في تواصلاتهم غير اللفظية، والمقيمة في دروب الإشارات . في هذه القصيدة يفيض الشاعر بثقافة عالمة حول الأمكنة ومسمياتها ودلالالتها، وأزعم أن القصيدة مرثية خاصة بسمو الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لكنها مرثية ترى في تلك القامة الكبيرة ما يتجاوز الأسماء والمسميات، ويتصل بغيوب المعاني ولطائفها، ويتجاوز عتبة الحدث وتراجيديته. وفي قصيدة «محاضر مرعاها السما» يتنكّب الشاعر مشقة اختيار الروي الأصعب ليُلزم نفسه فيما قد لا يلزم، وليختبر معنى الإقامة في مرابع البهاء الجميل للشعر العربي المركوز في تواقيع الصحراء ومدى المترادفات اللانهائية في اللغة العربية المشمولة بخوارزميات صوتية متنوعة حد التنوع !!. غير أنه سرعان ما ينتقل بنا في «سلطانة البحر» إلى بحر أكثر نعومة وهو يتغنّى: مستفعلن فعل مستفعلن فعل .. مستفعلن فعل مستفعلن فعل حملت حلمي من خان إلى خان كأنني هارب والموت سجان [email protected]