في مطلع عام 1323 ه سوف تقوم جامعة أم القرى برعاية مناسبة يوم المهنة الأول بغرض وضع الأسس العلمية والعملية للطلبة للمساعدة في إيجاد فرص العمل المناسبة في كل حقل وتخصص يتطلبه سوق العمل. وتنمية المهارات الضرورية لتخريج مجموعات تتميز بالكفاءة والقدرة والتأهيل لأداء دورها المطلوب. إن هذه الخطوة مؤشر جيد للانتباه لأهمية تخريج جيل جديد يتقن كل فرد مهنة يعيش منها. ولكن الفرق كبير جدا بين التفكير والعمل، كما أنه أكبر بين العمل والعمل المتقن. وجاء في الحديث أمران: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. وأن خير الأعمال أدومها وإن قل. وحض الحديث على كسب اليد وأن نبي الله داوود كان يعيش من كسب يده، وعندما اجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم بصاحب مهنة نظر في يديه ثم قال: إنها يد يحبها الله ورسوله. ونحن نعلم عن الفلاسفة والمفكرين أن الكثير منهم احترف عملاً يعيش منه والفيلسوف الهولندي المشهور اسبينوزا كان يصقل العدسات ويعيش منها. ومن المهم تكريس ثلاث عادات: الأولى تدريب الطفل منذ الصغر على الاحتراف وتعلم أكثر من مهنة، وأعرف هذه الخصلة في أهل دمشق فهم يدربون أبناءهم منذ نعومة أظفارهم على إتقان مهنة بعينها. وأما الغربيون فهم يدربون أبناءهم تدريبا قاسياً فمتى بلغ الغلام عندهم الحلم وكبر واشتد عوده دفعوه للعمل ولو كان والده مليونيرا، فيتقن من المهن العشرات، وأعرف عن الشباب الجامعي الكندي أنهم يعملون في حرف مختلفة عجيبة من أجل تغطية نفقات دراستهم. وهم لا يجدونه عيبا بل يعرفون أن التعب في تحصيل القرش يعطي مذاقاً لأي شيء يأكله الإنسان. وصدق الحديث حينما اعتبر أن أفضل ما أكل المرء من عمل يده. وذهب المثل في القول مهنة في اليد أمان من الفقر. واليوم يربح المهنيون أكثر من الجامعيين الذين يعملون خلف المكاتب. والثاني أن العمل بذاته قيمة مركزية وأن الله يحب العاملين ولا يضيع أجورهم سواء كان ذكرا أو أنثى. وأن الكسل ذنب عظيم. والثالث على المرء أن لا يخجل من بعض الأعمال أنها لا تليق به، وأنا رأيت في الألمان خصلة عجيبة من عشق العمل والإدمان عليه. وإذا أردت تعذيب إنسان ألماني فاحرمه من العمل كما تحرم الإنسان من أشعة الشمس وهواء الطبيعة. بحيث أوجد هذا ماكينة اجتماعية مخيفة تعمل بأدق من الساعات السويسرية. وكنت إذا ذهبت إلى مكتب البريد دقيقة واحدة قبل انتهاء الدوام أدخلوني ثم أغلقوا الباب عندما تصبح الساعة عند السادسة تماماً ثم أنهوا لي عملي فلم يخرجوني قبل قضاء ما أحتاج. فهذه خصائل عامة عندهم تعطي فائضاً من أداء الواجبات وهذا هو السر أن الناس مرتاحة هناك لأن كل واحد يعطي المزيد من فائض الواجبات فيصبح المجتمع غنياً بحقوق الناس، وهناك علاقة حيوية بين الواجبات والحقوق. فكلما كثرت المطالبة بالحقوق هبط المجتمع والعكس بالعكس. وأرجع إلى تشجيع المؤسسات في المملكة لروح العمل أنهم بذلك وضعوا أيديهم على محرك لحضارة وبانيها, فلم تبن الحضارات في التاريخ إلا بالجهد وعرق الجبين.