يظن البعض أن الثروة تخلق السعادة وهي جزء من الحقيقة فليس أغنى من كريستينا بنت أوناسيس وماتت انتحارا وقهرا وغماً. ولو كان المال شرفا لكان قارون سيد الأنبياء «فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا». ويظن البعض أن الشهرة سبب للسعادة ولو كان ذلك صحيحا لكانت مارلين مونرو الأمريكية الشهيرة سيدة السعداء ولكنها أنهت حياتها بالانتحار. لو كان النفوذ سببا للسعادة لما أنهى وزير المالية الفرنسي فوكيه وزير الملك لويس الرابع عشر الملقب بملك الشمس حياته في زنزانة إفرادية في جبال الألب أو العديد من الوزراء والمسئولين الكبار وهم يرتعدون فرقاً على حياتهم في المنصب وخارجه. ويقال عن نيكيتا خروشوف أنه أبقى على حياته عند ستالين عندما تحول إلى مهرج في حفلاته يصب عليه الفودكا ويضحك الآخر مستلقيا على ظهره. ويظن البعض أن اللذة هي السعادة ومنه دعا الفيلسوف اليوناني أبيقور إلى اغتراف اللذات في الحياة وينقل عنه قوله «عندما يحضر الموت فلن نكون موجودين». وأكبر نموذج لموضوع اغتراف اللذات هو شاعر الجاهلية طرفة بن العبد والخيام اللذان رأيا في الحياة تلك الفترة القصيرة التي هي أقصر من أن نقصرها بالترهات فيجب ملء كأسها بالملذات. ولكن الملذات مشكلة من جهتين فالإفراط في تعاطي الكحول يقود لتشمع الكبد والإفراط في الجنس ينتهي إما بالأمراض التناسلية أو إلى البرود الجنسي عكس مقصوده. وأعظم اللذات عندما تأتي في وضع الإشباع سواء الماء مع شدة العطش أو الطعام مع فرط الجوع أو الاتصال الجنسي بفاصل مناسب. ويرى عالم النفس البريطاني أنه لابد من التفريق بين ثلاث: السرور والسعادة واللذة. فاللذة هي ممارسة غريزة ما بدون البعد الأخلاقي وهو أمر نشترك فيه مع الحيوانات. أما السرور فهو ممارسة متعة غريزة ضمن إطارها المعنوي الأخلاقي. ولكن السعادة هي عملية التوازن بين إشباع الغرائز وهو يصل بكلامه هذا إلى فتح علمي. فيمكن لفلاحة أو بدوية تعيش في خيمة أن تكون في غاية السعادة كما يمكن أن يحصل عكسه لأكبر مسئول في كرسي الحكم بمعنى أن المرأة التي تقوم بإشباع غرائزها على نحو سوي أخلاقي يمكن أن تتمتع بسعادة بدون حدود في الوقت الذي يحرم منه مسئول كبير لا ينقصه المال والخدم والحشم والنفوذ والشهرة. ويروى عن بعض الصوفية قولهم« لو علم الملوك بما نحن فيه من السعادة لقاتلونا عليها بالسيوف». ووصف الله عباده الصالحين في أكثر من مكان أنهم تحرروا من مرضين كبيرين الخوف والحزن. ومن تخلص من الحزن وصل إلى السعادة ومن نجا من الخوف ذاق راحة البال عطاء غير مجذوذ.