إن الأزمة الاقتصادية الحادة التي حدثت هذه المرة في اليونان ليست أزمة يونانية صرفة، لكنها جزء لا يتجزأ من الأزمة الضاربة أطنابها في المنظومة الرأسمالية مباشرة وفي العالم بوجه عام وشأنها في ذلك شأن الأزمة المالية والعقارية التي بدأت في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم شملت بعد ذلك جميع دول العالم. وكون الأزمة انفجرت بداية في الولاياتالمتحدة وهي الأقوى والأغنى في العالم والأكبر اقتصاداً ثم تكررت بهذه الصورة الفجة في أصغر وأفقر دول المنظومة الرأسمالية، وهي اليونان، فذلك يؤكد مدى عمق واستفحال الأزمة الرأسمالية وأن ما أقدمت عليه الدول المتقدمة وعلى رأسها الولاياتالمتحدة من إجراءات وتدخلات حكومية رسمية لمواجهة الأزمة في المرة الأولى لم تكن عملية ولا ناجعة وإلا لاستفادت منها الدول الصغيرة أكثر من الدول الكبرى. وبطبيعة الحال لن تستفيد اليونان من الإجراءات التي أقدمت عليها دول اليورو لإخراج اليونان من أزمتها هذه ناهيك عن أن تستفيد منها الدول الأكثر تقدماً. ويخطئ من يظن بأن الدول المرشحة للأزمة مستقبلاً هي البرتغال وأسبانيا وإيطاليا فقط بل إن الدول المتقدمة وعلى رأسها الولاياتالمتحدةوبريطانيا وألمانيا..الخ مرشحة أيضاً وبنفس الحدة والخطورة إن لم تكن أكثر، خاصة وأن الدول الأوروبية قد تحسبت لمواجهة الأزمة في اليونان وفي البرتغال وأسبانيا وإيطاليا من منطلق أنها المرشحة أكثر من غيرها لحدوث الأزمات المشابهة لأزمة اليونان. وفي تقديرنا أن قيام الاتحاد النقدي الأوروبي لم يكن إلا مجرد محاولة للهروب إلى الأمام وبهذا السبب ربما رفضت بريطانيا الانضمام إلى هذا الاتحاد برغم أنها أهم أعضاء السوق الأوروبية المشتركة. ولن تحل الأزمة بتطوير الوحدة النقدية الأوروبية أو باتحاد سياسي فدرالي لأن أسباب الأزمة أيديولوجية منهجية وهيكلية، وإلا لما تفكك الاتحاد السوفيتي ولما كان الانفجار الأول والأكبر للأزمة في الولاياتالمتحدة. كما أن الحل لن يكون بتفكيك اليورو وإلا لما كانت بريطانيا تعاني من الأزمة نفسها. والسبيل الأمثل للدول الرأسمالية وللاتحاد الأوروبي نفسه هو الاعتراف بالأسباب الحقيقية للأزمة والعمل على أن يكون الانهيار الاقتصادي والسياسي تدريجياً وليس فجائياً وكارثياً كما حدث لمنظومة الدول الاشتراكية والاتحاد السوفيتي. فكل الإجراءات المتبعة حالياً لمواجهة الأزمة في الدول الرأسمالية شكلية وتستهدف أعراض الأزمة لا أسبابها الحقيقية وهذا يعني التسكين فقط كهروب إلى الأمام ربما يدفع إلى انفجار حروب وفتن عالمية وإلى انهيارات لدول واقتصاديات تكون خسائر بشرية ومادية فادحة جداً كان بوسعهم التقليل منها. والمستفيد حاضراً وفي المستقبل المنظور من الاتحاد النقدي الأوروبي هي الدول الأقل تطوراً مثل اليونان وأسبانيا وغيرهما مقارنة بالدول الأكثر تقدماً كألمانيا وفرنسا ولهذا السبب أيضاً كان عزوف بريطانيا عن الدخول في عضويته، وكان تعمد عرقلة دخول تركيا عضواً فيه، علماً بأن الاتحاد لن يكتب له الاستمرار لفترة طويلة من الزمن كونه كان مجرد هروب إلى الأمام حيث لم تفرضه مبررات علمية وعقلانية مقنعة. وقضية الشرق الأوسط وبخاصة القضية العربية الصهيونية وقضية الملف النووي الإيراني تعتبر أهم البؤر المساهمة في تعميق الأزمة الدولية والفساد في العالم ولن يخرج العالم من نفقه المظلم قبل زوال أزمة الشرق الأوسط وتحقيق السلام العادل في هذا الإقليم من العالم وبطبيعة الحال لن تخرج أمريكا وأوروبا من الأزمات المتفاقمة إلا بالتحرر من الهيمنة الصهيونية وكذلك بقية دول العالم. والمستقبل وحده كفيل بإثبات ونفي هذه الآراء والتقديرات. والله أعلم