من أغرب التناقضات في الفكر الدوجمائي (Dogmatic) الوثوقي هو جمعه بين الإيمان والإكراه، مثل من يريد الجمع بين الماء والنار. والله يقول: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» والله يقول: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» والله يسمح للفرد أن يكفر ثلاث مرات بعد إيمان، بدون أن يطير رأسه مرة واحدة (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم) (النساء 137).. ومن الملاحظ أن مسألة الإيمان والكفر ونتيجتها والمحاكمة عليها تركها الرب له وحده ولم يقل لنا مرة واحدة من بدل دينه وغير آراءه فطيروا رأسه بالمنجل والمقصلة والمقص؟ وليس من آية واحدة في قتل من يغير آراءه بل من يقود الحرب والضرب ويتخذ سبيل القتل وسيلة لحل المشاكل.. ومن أغرب التناقضات في الفكر الديني التقليدي وقوعه في ورطة كبيرة من هذا الحجم، وأن يذهب رأي المذاهب الأربعة ومن شايعهم على مذهب أن يطير رأس من يغير قناعاته لرؤيا رآها؟ بمن فيهم ملالي طهران الشيعة، مما يدخل على روماتزم خبيث في مفاصل الثقافة التوأم (سنة شيعة)، مما دفعت الأزهر أن يغير رأيه بعد هذه الفضيحة التاريخية فيصدر حكماً من مجالس وشخصيات تفيد بالانتظار على من (ارتد كذا ) وأن لايقطع رأسه بسرعة بل إمهاله لفترة مفتوحة أمام حكم الإعدام؟ لقد أرسل لي أخ فاضل حريص علي رؤوف رحيم فقال؛ في دلالة ما استند إليه من قص رقبة من غير أفكاره حول الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فذكر أربعة أمور أو خمسة: إجماع الصحابة، وقتال المرتدين، وأن الحرب على المرتد أشد من المرابي، وحديث من بدل دينه فاقتلوه؟ وأخيرا قصة الجنسية والعقيدة فقال الأخ الفاضل وحيث تعتبر في الإسلام الجنسية الإسلامية هي العقيدة الإسلامية؛ فالدول كلها تسحب الجنسية ممن لايؤمن بقانون البلد ويتمرد عليه وينكره، وعليه إجماع المذاهب الأربعة السنية".. وبالتأمل السريع للحجج المذكورة نرى ضعف سيقانها، وحثل عضلاتها فتهوي للقاع بدون دفعة!. فأما إجماع الصحابة فليس من إجماع، ولم يرد عن رسول الله أنه قتل رجلا أو امرأة غيرت دينها وبدلت رأيها، ولم يكن من سبيل لذلك فهو سيد الحكماء واللطفاء، وإنما هي اختراع فقهي أموي لاحق لتصفية المعارضة السياسية بدعوى دينية، أنه كفر وغيَّر دينه، لكل من اعترض وأبدى وجهة نظره في الأوضاع السيئة. وأما قتال المرتدين فهو ليس من أجل الرأي، بل بسبب العصيان المسلح، ظهر ذلك واضحا في قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين وضح سبب قتاله للمرتدين، أنهم لو منعوه عقال بعير كانوا يؤدونه لقاتلهم على ذلك وقال لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؟ ويشبه في هذا لو أن أهل حي ومدينة رفضوا إعطاء اشتراكات الكهرباء والماء وفواتير التلفون، واعترضوا سبيل محصلي الضرائب وأثاروا الشغب، وضربوا الشرطة، ورفعوا راية العصيان المسلح في وجه الدولة، كما فعل مسيلمة الكذاب. وهذا يعني أن من حق الدولة أن تمارس وظيفتها الأولى، أي الأمن من أجل قمع مظاهر التمرد العسكري وفتنة الحرب الأهلية المدمرة، والحرص على ترك الناس يعيشون بأمان، وهذا هو هدف الجهاد بمعنى القتال المسلح، ممارسة وظيفة الدولة الأساسية بتوفير الأمن للأفراد الذين يعيشون في كنفها، ومن أجل هذا بنيت الدولة للناس، كاختراع أخرج البشر من الغابة، ولم تزيد الدولة الإسلامية عن هذه الوظيفة، بفارق أنها قامت بالعدل بل نهضت برضا الناس فرضوا عنها، فقاتلت المرتدين ليس لأنهم غيروا آراءهم وقناعاتهم وكفروا بالله ورسوله، بل بسبب العصيان المسلح أو ماأسماه الفقهاء الأقدمون (الحرابة)..