من أغرب التناقضات في الفكر الدوجمائي (Dogmatic) الوثوقي هو جمعه بين الإيمان والإكراه، مثل من يريد الجمع بين الماء والنار. والله يقول: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.» والله يقول: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..» هناك من يستند على حجج في قتل المرتد بمعنى أن من يغير رأيه يطير رأسه مثل دجاج المسالخ؟ من الحجج قصة عرينة حين جاء قوم يريدون الاستطباب في المدينة، فأعطاهم الرسول ذلك، فاستاقوا الإبل وقتلوا الرعيان وهربوا بالحلال، فمارسوا الاغتصاب والسرقة والقتل، فلم يكن من الرسول سوى إلقاء القبض عليهم ومعاقبتهم بما فيها الموت. وهنا لم يكن السبب تغيير قناعاتهم وآرائهم، بل بسبب الشر والحرب والأذى والقتل أو بتعبير فقهاء العصر القديم (الحرابة).. وحتى حد الحرابة فالقاضي مخير بين أربعة أحكام، والحرابة هي أقسى العقوبات قاطبة، فيحق للقاضي أن لايعدم ويقتل بل يدفع الجاني إلى مصحات التأهيل والرعاية بتعبير ينفوا من الأرض، أي تغيير وسط الجريمة (Rehabilitatiion) وأما النكتة الأخيرة فهي حول «من بدل دينه فاقتلوه» هذا يعني أننا لو نريد تطبيق الحديث حرفيا كما ساقه الأخ الفاضل، أن النصراني الذي يغير رأيه فيعتنق الإسلام، يجب أن يطير رأسه قبل أن يرى نور الإسلام، فيسلم بدون رأس وعينين بعد أن طار الرأس؟! والحاصل ف (الحديث) مهما بلغ من القوة لايمكن أن يصمد أمام الآيات البينات في حرية التفكير وتغيير المعتقد، وأن الله هو الذي يتولى هذه الأمور وليس البشر، وحيث يصطدم حديث بأصل تأسيسي من القرآن ألغى نفسه بنفسه، فلا يمكن للفرع أن يغلب الأصل والأساس أن يهوي وينقض أمام الطابق الأعلى الذي يعتد عليه بالأصل؟ أليس كذلك؟ إنه حقا أمر مضحك مبك على وضع العقل الإسلامي الراهن المحبوس في خندق فقهاء العصر المملوكي.. المجتمع الإسلامي هو مجتمع إنساني مفتوح لكل الآراء كفراً وإيماناً، فيهرب عليه جماعة اللجوء السياسي من كل مكان، وليس كما يحدث لأبنائنا الذين يفرون إلى أرض الفرنسيين والطليان وكندا في كالاجاري والسكينة الصفراء ويوكوتان مع الدببة القطبية بيضاء الألوان. وفي المجتمع الإسلامي الحر النقاش مهيأ للجميع لمن أراد أن يظهر رأيه في أي اتجاه، وهذا هو السر اليوم في قوة مجتمعات غربية مثل كندا فيهرب إليها الناس للأمان المتوفر هناك والذي يظلل جميع الآراء.. ويبقى عندنا بعض التساؤلات الأول كيف يتم الاتفاق على مثل هذا الأمر الخطير في الثقافة الإسلامية فيتم اختراق أهم مبدأ قرآني في حرية الاعتقاد والإيمان، فليس من إيمان وكفر في ظل الإكراه، والمجتمع الإسلامي هو مجتمع الإيمان والحرية، وكل الآيات تمشي بهذا الاتجاه من أجل تحريك الرؤية للكون دفعا للعقل إلى أحضان الإيمان، وهذا يقول إن الإكراه هو عكس الإيمان، وليس من إيمان بالقوة، وإلا فعلنا ما فعله الأسبان بالمسلمين حين سيطروا على أسبانيا وأكرهوا الناس على عبادة الصليب والمصلبة من الكثلكة، فقذفوا إسبانيا إلى الحضيض، وتحولت من إمبراطورية الذهب، إلى فناء الدول الغربية الخلفي، قبل التخلص من فرانكو والكنيسة وتدخل في دين الاتحاد الأوربي فتصبح بلداً مزدهراً بعد أن تعفن حتى العظام. إن كل النهضة الفكرية في الغرب أو ما يسمى عصر التنوير والحداثة تدين لفكرة لا إكراه في الدين من آية سورة البقرة، التي جاءت مباشرة بعد أعظم آية هي آية الكرسي. ومن الغريب خيانة الثقافة لمثل هذه المفاهيم، وإن كانت تفسر لماذا عشش الاستبداد السياسي عندنا من خلف الاستبداد الديني، فهما متعانقان بتعبير القرآن حين يشير إلى الجبت والطاغوت، الجبت المؤسسة الدينية، والطاغوت المؤسسة السياسية وكل يسند صاحبه، فرعون والكاهن، رئيس الدولة والمفتي.. لقد كان مفتي السلطنة العثمانية يطلق فتواه في خنق إخوة الخليفة مع توليه العرض، فكانت حفلة التتويج يوم البكاء الأعظم في الحريم السلطاني، وفي إحدى حفلات الدم هذه تم خنق 14 أخاً للخليفة المعظم؟؟ أكان للناس عجبا أن يسمعوا مثل هذه القصص؟؟ الجبت يعطي الشرعية للطاغوت، والطاغوت يعطي النفوذ والمال للجبت، فيدخل المجتمع ليل التاريخ،... وكل ذلك بسبب قمع الفكر وأدواته وأهله، وهو يدخل بدوره على هذه الآثار المريعة لمثل هذه الأحكام السلطانية من بدعة قتل المرتد..