أصبح الفساد اليوم أهم المشكلات التي تعيق تقدم الدول وتطورها، فهو ينخر في المجتمع كما الدود في الخشب، ويتغلغل في نسيج الحياة اليومية ويعيش معه المفسدون والفاسدون حياة عادية بلا ضمير وطني أو شعور بالانتماء والولاء , أي أن الفساد عموما هو استغلال أو إهمال للقانون للحصول على مكاسب مادية أو معنوية على حساب الأفراد أو المجتمع, بحيث يمكن الجزم أن من المحال قيام تنمية حقيقية في وطننا من دون محاربة هذه الآفة باعتبار أن مكافحة الفساد تبدأ بتغيير الثقافة المجتمعية وخلق ثقافة تزدري الفاسدين وضرورة تفعيل القوانين والأجهزة الوطنية المختلفة لمكافحة الفساد ، فاليمن كانت من البلدان السباقة في العمل الدولي الذي أثمر الاتفاقية الدولية الصادرة عن الأممالمتحدة والخاصة بمكافحة الفساد حيث كانت بلادنا ضمن الخمسة البلدان المشاركة بجدية في صياغة الاتفاقية والإسهام في إعدادها ضمن المراحل الأولى ثم كانت مصادقة مجلس النواب في 2005م تتويجاً لهذه الجهود . كما أن صدور القانون اليمني رقم 39 لسنة 2006 م بشأن مكافحة الفساد مثل خطوة متطورة تم تتويجها بتشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عبر انتخابات حرة ومباشرة في مجلس النواب وهو الأمر الذي أعطى الهيئة استقلالها الكامل والقدرة على العمل بحيادية وجدية كاملة، كما ضمن القانون مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة والشباب في الهيئة لضمان مشاركة المجتمع بشكل واسع وفعال في مكافحة الفساد. وقد رأت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد منذ بداية نشأتها أن شراكة المجتمع في عملية مكافحة الفساد تحتل أولوية هامة خاصة وأن عملية الوقاية من الفساد وازدراء الفاسدين ومحاربتهم لن يكون إلاّ من خلال مجتمع يقظ مؤمن بقيم ايجابية تزدري الفساد والمفسدين وتعمل على محاربتهم، حيث نصت الفقرة الثالثة من المادة الثامنة من القانون رقم 39 لسنة 2006م , ضمن اختصاصات الهيئة : “اتخاذ التدابير الكفيلة بمشاركة المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني في التعريف بمخاطر الفساد وآثاره على المجتمع وتوسيع دور المجتمع في الأنشطة المناهضة للفساد ومكافحته” ،وبالتأكيد لن يكتب أي نجاح في تعبئة المجتمع ضد الفساد إلاّ من خلال فاعلين ناشطين وفي مقدمة هؤلاء الأسرة والشباب والمجتمع المدني والإعلام ..... الخ، بالإضافة إلى أن أي رؤية استراتيجية متكاملة لمكافحة الفساد لابد أن يكون أبرز الأعمدة التي تقوم عليها هم الشباب على اعتبار أنهم الفئة العمرية الأكثر حضوراً وهم الأداة الأنسب للتغيير المجتمعي وكونهم يشكلون في أي مجتمع من المجتمعات القوى الفاعلة والمسيرة للأحداث سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية. الشباب يُعتبرون المؤشر الأكثر دقة في تحديد الوجهة التي تسير عليها البلاد، فكلما ارتفع مستوى الشباب السياسي والثقافي وازداد تأثيرهم في مجالات الحياة المختلفة كلما ارتفع مستوى البلاد وتحسنت شؤونه، فالشباب شريحة بإمكانها تحقيق الأهداف والوصول إلى أكبر قدر من الأفراد، لخلق وعي مضاد لثقافة الفساد المتفشية، وهو ما يحتم على الجهات الراعية للشباب والمنظمات الشبابية وبالأخص الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد العمل على صناعة برنامج وطني يعمل على تدريب هؤلاء الشباب يتضمن في طياته التعريف بهيئة مكافحة الفساد والدور المنوط بها وكذا تعريفهم على منظومة الفساد ( أشكاله، مظاهره، أسبابه، نتائجه وكشف مواطنه وسبل مكافحته والحد منه ) وذلك من خلال المحاضرات والأفلام الوثائقية والنشاطات اللامنهجية والتي تستهدف طلبة المدارس الثانوية والمخيمات الصيفية وأيضاً من خلال رفع قدرة الجامعات الحكومية والأهلية على تطوير مساقات متخصصة في موضوعات الفساد وإدراجها ضمن المناهج الدراسية، مع ضرورة أن يشمل البرنامج مهارات إعداد التقارير الموازية وتحليل جرائم الفساد من وجهة النظر القانونية الأمر الذي من شأنه أن يوجد لدينا كادراً شبابياً وطنياً قادراً على الرصد المنهجي والتحليل الوافي لقضايا الفساد وكيفية مواجهة هذه القضايا وآليات التحرك لحماية المبلغين والآليات الخاصة بعمل فرق الرصد بشكل يعزز دورهم في مواجهة الفساد مما يساهم بتطوير دورهم الريادي مستقبلاً في خلق بيئة خالية من الفساد. وختاماً نتمنى من هيئة مكافحة الفساد أن تولي الشباب جل اهتمامها، خصوصاً عند تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وفقاً للخطة التنفيذية الخاصة بالاستراتيجية والمتمثلة في وضع سياسات للوقاية من الفساد وكشف حالاته وإحالة مرتكبيه إلى القضاء وتجفيف منابع الفساد وتوعية المجتمع من آثاره ، كما نتمنى أن تستمر كافة المنظمات والهيئات الوطنية في برامج تمكين الشباب من خلال تثقيفهم حيال دورهم في مواجهة الفساد ومحاربته وتنشئة جيل يؤمن بالنزاهة والشفافية وقادر على المحافظة على الممتلكات العامة والانجازات الوطنية بجميع صورها، والله الموفق . moc.oohay@yltaflaf