عطفاً على حديث الأمس حول اللغة العربية؛ أود الإشارة إلى أن اللغات الإنسانية تنتمي إلى عوائل مختلفة، فيُقال عائلة اللغات اللاتينية، وعائلة اللغات الجرمانية، وعائلة اللغات السلافية، وعائلة اللغات الكوشيتية. هذه اللغات مختلفة جذرياً من حيث القاموس اللغوي، وقواعد النحو والصرف، والصوتيات، لكن هذه الاختلافات الجذرية لم تكن سبباً للتخلي عن اللغات الأصلية لتلك الشعوب.. الاستثناء الوحيد في هذا الباب يمكن ملاحظته عند الشعوب ذات اللغات الشفاهية غير المكتوبة والتي لم تُدوّن بعد، والمصوغ هنا واضح تماماً، فاللغة غير المدونة لا يمكنها أن تكون وسيلة معرفة. يقع العرب الآن في مربع كئيب؛ لأنهم يتماثلون مع اللغات الشفاهية الأفريكانية والآسيوية فيما يتعلق باعتماد التعليم الجامعي باللغات الأجنبية، وإذا كنا نعيب على القائمين على أمر التربية والتعليم في العالم العربي هذا التخلّي الطوعي عن جوهر العروبة والسبب في كينونتها، فإننا لا نُعيب على اللغات الأفريكانية الشفاهية، لأن تلك اللغات ليست مكتوبة، ولا هي مشمولة بالكتابة، وبالتالي، ليست في وارد القدرة على ترجمة العلوم والمعارف طالما أنها لم تُكتب بعد. العربية ليست مكتوبة فحسب، بل تكاد تكون اللغة الوحيدة التي ظلت على حالها أكثر من ألف عام، ويندر في الآداب الإنسانية الأخرى إمكانية قراءة مخطوطات مسطورة منذ مئات السنين، فيما العربية التي كُتبت في سوق عكاظ مازالت قابلة للفهم والقراءة إلى يومنا هذا. وقبل أن أتعرض لمحنة العربية في ديارها تفصيلاً؛ أود التمهيد لبعض المفاهيم العامة الخاصة بماهية اللغة مما سنقرأه يوم غدٍ بإذن الله. [email protected]