يسود انطباع في العالمين العربي والإسلامي أن قناة «الجزيرة» تتبنّى تيار الإسلام السياسي في العالم العربي تحديداً، وفي العالم الإسلامي على وجه التعميم، غير أن هذا الانطباع بحاجة إلى قراءة متأنية، وإخضاعه للمقاصد النهائية في الرسالة الإعلامية، فالحاصل هو أن الاعتلاء بمقام الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس العراقي صدام حسين قبل حين كان مترافقاً مع خروجهما التراجيدي من المشهد السياسي الفاعل بالطريقة التي رأيناها، والتبنّي الاستثنائي لهما في لحظة الذروة من مقاومة العنت الاسرائيلي الأمريكي أوصل في نهاية المطاف إلى إحباط معنوي كبير لتلك الجماهير العربية الغفيرة التي تنساب مع الصوت العالي لقناة «الجزيرة» والنتيجة هنا مُعاكسة تماماً لطبيعة الخطاب، فتبدو المفارقة كامنة في كلمة الحق التي يُراد بها باطل. وهكذا دأبت «الجزيرة» على التداعي مع مشاعر الجمهور العربي الواسع، بل تصعيده إلى ذروة التفاؤل تبنياً لبعض الرموز والأسماء ذات المصير المحتوم خروجاً من دائرة الفعل، وهنا لابد من الإشارة إلى أن كلاً من ياسر وعرفات وصدام حسين لم يكونا محسوبين على تيار الإسلام السياسي، وإن كانا توسّلا الخطاب الديني التحريضي في لحظة من أيام الدهر المُتقلّب، وبالذات عندما دنت النهاية. وفي هذا الباب نستطيع أن نعقد مقارنة طريفة بين خطاب «الجزيرة» الكفاحي في نظرتها لعرفات وصدام، وأخيراً الزرقاوي، وما حدث عملياً بعد ذلك، ويمكننا أن نلمس النتيجة النهائية في مشاعر الشارع العربي الذي يخضع لترويض أشبه ما يكون بترويض حيوانات السيرك، فالخطاب الصارخ والأصوات المرتفعة تجمع هذا الشارع حول القناة، فيما تكون النتيجة المؤكدة التعوّد على ثقافة الهزيمة والإحباطات المتتالية، ولقد تجلّي هذا الأمر بصورة أكثر وضوحاً في التبني الأفقي للتيارات الإسلامية السياسية والعقائدية، ابتداءً من الشيخ القرضاوي الذي ينتمي فقهياً إلى السنّة الأشعرية الشافعية، وسياسياً إلى الإخوان المسلمين، مروراً بالأصولي السلفي أسامة بن لادن، ومساعده الأول أيمن الظواهري، وحتى حسن نصرالله الشيعي العربي. [email protected]