تحت بند الترشيد يمكن التوقف ملياً أمام قدرات الصين الاستثنائية على تطويع العوامل الاقتصادية من أجل المصلحة العامة، ليس للصين فقط بل للعالم، وهو أمر غير مألوف في عالم الأنانية والوحشية التي تصل إلى تدمير البلدان بالقوة العسكرية، فقبل عامين قررت الصين خفض نموها الاقتصادي من 14 في المائة إلى 8 في المائة سنوياً وذلك لتحقيق توازن مع الاقتصاد الدولي وعدم إقلاق المصالح العليا للبلدان المتضررة من النمو المتزايد في الصين!!.. والمعروف تاريخياً أن الصين كانت أول من رشّد استهلاك السجائر، ونظّم الهرم السكاني بطريقة مثالية أوصلت إلى الحفاظ على التعداد العام لسكان الصين، كما أبحرت في سياسة انفتاح مدروسة لا تؤدي إلى إفقار ملايين البشر، بل تفتح أمامهم المزيد من فرص العمل والحياة الكريمة. لم تلجأ الصين إلى رفع أسعار النفط لمجرد حماية اقتصادها من خرائب التضخم العالمي الذي أدارته الولاياتالمتحدة وفرضته على العالم من خلال مركزيتها في سلة العملات الصعبة الموروثة من اتفاقية «بريتن وودس» سيئة الصيت، بل من أجل إرغام الديناصور المالي الأمريكي على إيقاف اللعبة البراغماتية الخطيرة التي يلعبها عبر تخفيض سعر الدولار لتنكشف الأرصدة المليارية لمئات الدول التي ارتهنت لمركزية الدولار، وجعلت أغلب احتياطياتها النقدية بالعملة الأمريكية التي لا تُقهر!!.. أثبتت الصين أن الاقتصاد الحمائي المرتكز على أفضليات الداخل وتنمية الميزات الخاصة، واحترام الذات هو القادر على البقاء، وهكذا فعلت ماليزيا قبل حين؛ ففي ذروة الأزمة المالية الآسيوية التي أسقطت اندونيسيا أرضاً؛ كانت ماليزيا صارمة ومحمية بخياراتها العاقلة، لقد حرص رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد على عدم الارتهان لمنطق «بريتن وودس» ومرئيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لأنهما كانا وسيظلان الحارسين الشديدين لمنطق الرأسمالية التاريخية المتوحشة. قبل حين قامت الصين بخفض أسعار الوقود بنسبة 20 في المائة لتقوم بترشيد يوازي ذات النسبة، ويقوم الشعب الصيني بامتصاص ما نسبته 40 في المائة من الاستهلاك الفعلي، مضافاً إليه التخلّي عن البعض من طنافس الحياة ومتعها، لكن النتيجة هي ثبات قوة الاقتصاد الصيني، وإحراج سدنة البورصة المالية والنفطية الدولية ممن يريدونه عالماً لمليارات الفقراء الجوعى، وحفنة من المتخمين حد الفجور!!.