لقد عجزت الأحزاب السياسية في بلادنا عن الحفاظ على بوصلة واقعية لعملها, كما أنها عجزت تماماً عن تطبيق ما تنادي بتطبيقه في المجتمع على نفسها, فهي تطالب المجتمع بالنظام في حين هي تمارس الفوضى داخل المجتمع, وربما الرغبة العارمة في الديمقراطية نتج عنها حالة مدمرة من الفوضى والعجز عن اتخاذ القرار المناسب .. لقد اعتقدت هذه الأحزاب أن الاستقرار يمكن إنجازه بالتمني ,ولهذا السبب تفشل حواراتنا بين الحين والآخر ,فنحن لانراجع أخطاءنا ولانعترف بها.. لقد أجّلنا الانتخابات في المرة السابقة وربما نؤجلها للمرة الثانية, كل ذلك يتم بدون دراسة حقيقية لجدوى هذا التأجيل ,وقبل ذلك خضنا حواراً مع المتطرفين, لكننا لم نغير في تفكيرهم أو سلوكهم, بل إننا ركنا إلى هذا الحوار السطحي وأتحنا للجماعات المتطرفة العمل والإعداد والتدريب بعيداً عن أعيننا، ففاجأونا بالخروج العلني. كل ذلك يجري وأحزابنا السياسية لم تحدد موقفها من خيارات الديمقراطية والشرعية الدستورية.. إن هذه الأحزاب لم تصدق مع نفسها ولا مع المجتمع ولم يكن الصدق أبداً فضيلة شائعة على الهامش السياسي, فمع المشاركة الكثيفة في الضوضاء القائمة ,كان الجميع يتملص من التزاماته في خلق الاستقرار والتنمية. نستطيع القول إن الجميع في هذا البلد أصبحوا أسيري ألفاظهم أكثر من درايتهم بحقائق الواقع السياسي.. ولهذا السبب فإن أياً من أطراف الحوار، لايستطيع الربط بين وجود الدولة بمؤسساتها ورموزها وآلياتها وعقدها الاجتماعي وبين اللادولة والفوضى الشاملة.. والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا لانجد توحيداً في التوجه من قبل هذه الأطراف تجاه تنظيم القاعدة الذي يُعد الأخطر بوصفه تنظيماً لايؤمن إلا بالموت، إضافة إلى ذلك فإن هذا التنظيم يجد تعاطفاً معه من قبل المجتمع وخاصة في مناطق القبائل وفي بعض المناطق الجنوبية، ومن ناحية أخرى تعززه الثقافة الكلاسيكية المنتشرة بطول البلاد وعرضها من المدرسة إلى الجامعة إلى المسجد , فهذه الثقافة تُهيئ الشباب للانضمام إلى ثقافة الموت وكراهية الحياة. ستظل هذه الأحزاب تعمل في الهامش ما لم تتعلم من حقائق الواقع الذي يقول إن الدولة لاتتأسس على الصراع ولا على إلغاء التنمية أو انتهاك الدستور والقانون، وأن هذه الأحزاب ستقود الوطن إلى مزيد من التشظي ما لم يكن لديها رؤى اقتصادية واجتماعية, وما لم تستطع أن تدل المجتمع على الطريق بين الحلم والواقع. ومن العجيب أن تسعى هذه الأحزاب نحو التشديد على مسألة إصلاح النظام الانتخابي ,لكنها تصاب بالرعب إذا طلب منها طرح قضايا أخرى تشغل المستقبل كعلاقة الدين بالدولة , أو قضايا التعليم والصحة ,وحتى محاربة الفساد فنحن لانستطيع أن نعرف هل نحن في إطار دولة دينية أم دولة مدنية، والسبب يعود في ذلك إلى أن هذه الأحزاب تريد أن تسبح في نهر التغيير دون أن تتعرض للبلل ,وكأن الجميع لايدرك أن التطور لايكون من خلال القفزات أو الطفرات وإنما من خلال تراكم طويل يشمل البلاد كلها من التعليم إلى الصحة إلى الصناعة إلى الزراعة والعمران. نحن لانستفيد من أخطائنا مما يجعلنا نكرر هذه الأخطاء، فنحن نؤسس اليوم للحوار كما أسسنا بالأمس للديمقراطية ,نحن نتحرك في مناخ غوغائي يقودنا دائماً إلى النقيض ,مما يكلف الوطن ثمناً فادحاً. أريد أن أقول بوضوح إننا في اليمن لم ندرك أن شرف الحرية المسئولة والاختيار الصحيح يأتي كخطوة أولى قبل صندوق الاقتراع. نحتاج في الوقت الراهن إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا الأمر يستلزم توافر اشتراطات ضرورية أهمها: الاستقرار الداخلي والخارجي تحت رايات الأمن والسلام، لأنه في غيبة الأمن والاستقرار الداخلي والخارجي تصبح كل خطط وبرامج التنمية في مهب الريح. وهذا لا يتحقق في ظل ثقافة الهامش أو الاستمتاع بالضجيج والصخب، وإنما بالاهتمام بالوطن وليس بالتحريض عليه أو نهبه أو تدمير بنيته التحتية.. كل العالم يعج بالفاسدين, لكن الفساد في هذه البلدان لايدمر البنية التحتية كما هو في بلادنا. نحتاج إلى ثقافة تجنبنا المزايدات التي ترغب في تعجيزنا, وتدفع بالعمل إلى قفزات غير محسوبة. [email protected]