بدأ العراقيون بالذهاب إلى أعداء بلادهم قبل غيرهم، وبتلك المجاميع والصور التي لا تبررها الشكوى من سلطة وسطوة النظام الذي انتهى بمقدمهم في عام 2003م جنباً إلى جنب الجحافل الأمريكية والبريطانية، وكانت أخبار بعض رموزهم تزكم الأنوف لدى الأمريكيون أنفسهم الذين دعموهم بمئات الملايين تم تغاضوا عنهم في سبيل الوصول على أكتافهم إلى بلاد الرافدين التي كانت تمثل الوجهة التاريخية للصهيونية منذ عهد البابليين والآشوريين والكنعانيين. وقد عرفناهم أكثر بعد احتلال العراق وإن لازمت ظلهم الفضائح المالية والنزعات المذهبية والطائفية المقيتة التي حصدت مئات الآلاف من القتلى وملايين المصابين والسجناء والمشردين داخل بلادهم وفي الخارج، وكان أكثر الناس من العرب تشاؤماً لا يتصور أن يتكرر المنتج السياسي الأمريكي في أي مكان من الوطن العربي بتلك البجاحة والافتخار نكاية ببعض الأنظمة وانتقاماً وعقاباً جماعياً لشعوبهم وأوطانهم سعياً وراء السلطة بأي ثمن. وقد ظهرت أحزاب أخرى في السودان مثلاً وفي لبنان تحاكي المعارضة العراقية في عهد صدام حسين، ولا نقول بأنها جاهرت بارتباطاتها بالدوائر الغربية وإن كانت تؤيد وتناصر الحركة الانفصالية في الجنوب - أي جنوب السودان- وأخرى ارتمت بأحضان إسرائيل بعد احتلالها جنوبلبنان عام 82م من القرن الماضي، وأصبحت إحدى فرقه بزيها وسلاحها وأجندتها، ولم يفلح سعد حداد في ضرب المقاومة أو فصل الجنوباللبناني رغم كل ذلك، بل لم يجد ذلك العميل من يستضيفه في إسرائيل هو وأفراد حاشيته وأقربائه. أما في جنوب السودان فكان الأمر يختلف بعض الشيء من حيث تكتيك المعارضة التي كان يظهر بعض زعمائها كما لو أنهم جزء من جونج جرنج وجيشه الشعبي في الحرب على النظام وإسقاطه أولاً، ثم ما لبثت الحركة الشعبية التي تحولت إلى جيش أن أعلنت برنامجها الفصل وهو الحرب ثم الحرب لانتزاع الجنوب عن الشمال وشنت عمليات لا تحصى، ولم يسلم الأطفال من تقديمهم وقوداً لها كمحاربين لا تعرف أسرهم عنهم شيئاً. والآن وبعد أن عادت مسألة انفصال الجنوب السوداني إلى الواجهة بدت المعارضة السودانية وكأنها خدعت بالتنسيق مع الجنوبيين بمعارضتها للاستفتاء على أساس الاستقلال وأثبتت أنها لا تفقه شيئاً مما حيك ولسنوات طويلة للسودان ثقافياً واجتماعياً ودينياً، وهي أسلحة فتاكة كما يذكر التاريخ في تفكيك الأواصر وزرع البغضاء بين أبناء الوطن الواحد، وعن غباء مركب تتمنى بعض قيادات المعارضة السودانية وبعد فوات الأوان أن تحقق ما يسميه الاتحاد بين الشمال والجنوب على الأسس التي كانت قائمة منذ الاستقلال في الثلث الأول من القرن العشرين .