لكل شيء في الوجود طاقة خاصة، ولكل كائن أيضاً تعبيراته الخاصة بطاقته النوعية، وهكذا تتفارق الحيوات من حيث القدرات، فإذا كنا نحن البشر نتمتع بنعمة العقل، فإن الفراشة تتمتع بنعمة السباحة في الأثير طيراناً وتحليقاً، وما أوهن الفراشة وأضعفها قياساً بجسومنا المكتنزة لحماً وعظماً، لكنها أكثر منا نبلاً في معاشها لأنها تقتات من رحيق الأزهار، فيما نعتلف الأخضر واليابس، ونأكل الناعم والغليظ من المواد، وإذا كنا نحن البشر نتمتع بقدرات عقلية تسعفنا في استخدام الوسائط التقنية لتحليل الروائح والألوان، فإن الكلاب والصقور تتمتع بهذه القدرات دون وسائط، فالكلب يشم الرائحة ويتتبع مسارها، والصقر يرى فريسته بعين ثاقبة، وهكذا سنجد أن لكل كائن طاقته النوعية الخاصة التي يتفرد بها. وحتى الأشياء التي نعتقد أنها ليست حية تتمتع بقدراتها النوعية الخاصة، فلكل مادة طاقة، ولهذا كان الأسلاف يعتدّون بمنشأ هذه المواد ويعتمدون تصنيفاً وتوصيفاً لكل منها، ويرون أن لهذه المواد حيواتها الخاصة، فمنها ما هو نبيل ومنها ما هو أقل درجة، فالحجارة الكريمة ليست نبيلة لندرتها فقط، بل لأنها تتفاعل مع أجسام حامليها مما يمكن مشاهدته في الخواتم التي يلبسها البعض، حيث نجد أن الصانع يتعمّد وضع الحجر الكريم بكيفية تسمح بوصول طاقتها الخاصة إلى إصبع حاملها، ومنها تسري الطاقة إلى جسده، وعلى ذات المنوال سنلاحظ أن العالم الروسي «مندليف» صاحب جدول العناصر الكيميائية الشهير حرص على ترتيب وتصنيف هذه العناصر بحسب قوتها الخاصة اعتماداً على عدد البروتونات والالكترونات السابحة في فضاء الذرة النوعية لهذه المادة أو تلك. هذه الحالة تنساب في كل تمظهرات الوجود، ولعل الحرف يشكل التميمة السحرية الأولى في هذا الباب، وحتى نتوقّف قليلاً أمام ماهية الحرف لا بأس من الإشارة إلى مصدر ذلك الحرف، فنقول إن الحرف المكتوب تُرجمان لصوت صدر من الإنسان، وهذا الصوت ينطلق من لسان الفرد المتفاعل أصلاً مع كل جسمه، وقد أحسن الشاعر الحكيم زهير ابن أبي سلمى وصف مقام اللسان قائلاً: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ولم يبق إلا صورة اللحم والدم وبهذا اختصر زهير الطريق وكرس بعداً مفاهيمياً دالاً عندما اختزل الفرد بلسانه وقلبه، فكأن اللسان ترجمان للقلب، والقلب مع اللسان يمثلان الجوهر، وما عداهما شكل صرف «فلم يبق إلا صورة اللحم والدم»، وورد في الأثر أن «المرء بأصغريه قلبه ولسانه».