قبل أربع وستين سنة، قال الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” أمام المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة المنعقد في “ سان فرانسيسكو” :” إن جوهر قضيتنا هنا هو إيجاد آلية معقولة لتسوية الخلافات بين الأمم”. وقبل أربع سنوات، قال المحلل السياسي الشهير”جي ، جون، أكيبنري” معلقاً على مصداقية الأممالمتحدة”:«في شهر سبتمبر الفائت، في نيويورك،ظهرت المجموعة الدولية وكأنها عازمة على جعل نفسها أكثر ملاءمة كأداة للتعاون خلال القرن الحادي والعشرين، ولكنها فشلت في ذلك، ولقد فاتت الفرصة الآن». ويجمع العديد من المفكرين والمحللين السياسيين على أن من بين أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك الفشل هو إصرار الدول العظمى في مجلس الأمن على التمسك ببند حق النقض “الفيتو”،وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي تعد من أكثر الدول استخداماً لهذا الحق “ السلطوي” ضد الإرادة العربية لنصرة الشعب الفلسطيني المضطهد وتحرير الأراضي العربية المحتلة. فعلى سبيل المثال وخلال السنوات التسع الماضية، أي منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وإلى نهاية العام الماضي، استخدمت أمريكا حق “الفيتو” أكثر من ست مرات، وعلى سبيل المثال استخدمته لمرتين في عام واحد وعلى فترتين متقاربتين لصالح ربيبتها “إسرائيل” حماية لها من طائلة القانون الدولي لقاء جرائمها الوحشية في حق الشعب الفلسطيني،فالمرة الأولى جاءت في أغسطس من العام 2006م في أعقاب ارتكاب إسرائيل مجزرة “قانا” الثانية،وبعد شهرين أي في 11 نوفمبر من نفس العام استخدمته في أعقاب مجزرة “بيت حانون”. إن حق النقض “الفيتو” الذي اشترطته الدول العظمى عند تأسيس الأممالمتحدة في أبريل من العام 1946م وفي أعقاب انتصارها في الحرب العالمية الثانية،كانت له مبرراته في ذلك التاريخ وما تلاه، بوصفه أنه يشكل ضرورة تحكم العلاقات الدولية تحسباً لمواجهة قيام الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي،وكذلك بحسب ما أملتها التوجهات السياسية للديمقراطية الغربية في مواجهة ديكتاتوريات المعسكر الشرقي الاشتراكية، بدافع كما يقال لحماية حقوق الإنسان وحماية الديمقراطية نفسها. واليوم وقد انتهت الحرب الباردة قبل عشرين سنة واشتد عود الديمقراطية الغربية صلابة، لم يعد “الفيتو” بهذه المشروعة وتلك الضرورة الحتمية إلا في حالات ما يهدد الأمن والسلام العالميين ومايدخل تحت طائلة التهديد النووي العالمي،ولم يعد لأمريكا أي مبرر في الاستخدام المزاجي الجائر لهذا “الفيتو” ضد الإرادة العربية بهذا الشكل المتكرر كل عام حماية لمغتصب ومحتل غاشم للأراضي العربية الفلسطينية واللبنانية والسورية. وفي هكذا حالة كان المتوجب على هيئة وسكرتارية الأممالمتحدة أن تعيد النظر في هذا “الفيتو” الذي أصبح لعنة أمريكا على العرب،وتضع له المحددات المنظمة له لتكيف استخدامه عند الضرورة القصوى، لأنه إذا ظل بهذه العمومية وتلك المزاجية التي تلجأ إليها أمريكا وقتما شاءت لتستخدمه ضد الإرادة العربية ولصالح ربيبتها إسرائيل، فإن هذه اللعنة وذلك الأسلوب يعتبر كيلاً بمكيالين،كيل مطفف للعرب وكيل مستوفٍ لإسرائيل، وفي نهاية المطاف ستجد أمريكا أن وجهها ازداد قبحاً واسوداداً عند الجماهير العربية قاطبة، ولن يجدي نفعاً ما ستصرفه من مليارات الدولارات لتبييض هذا الوجه، كما تفعله حالياً بصرفيات أقل.. ولات ساعة مندم. قال الشاعر: الخير في الناس مصنوع إذا جبروا والشر في الناس لايفنى وإن قبروا “جبران خليل جبران [email protected]