لايمكن لمن هم في السلطة أن يرحلوا إلى ساحة المعارضة بتظاهرة حزبية مهما كان عدد المشاركين في هذه التظاهرة الاحتفالية المنقولة من أكثر من محافظة .. لأن الرحيل الديمقراطي يختلف عن الترحيل الانقلابي، الأول الرحيل مشروط بالمنافسة الانتخابية بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة.. والثاني الترحيل عمل انقلابي لا يتفق مع الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.. لكن الذين يعانون من جوع السلطة يدفعهم إلى هذا النوع من الجنون السياسي يعتقدون خطأ أن الشعب اليمني وهيئته الناخبة يعانون من نفس مرضهم السياسي، جاهلين أو متجاهلين أن الهموم الحزبية لاتعني الأغلبية الساحقة من البؤساء والمحتاجين الذين تسحقهم البطالة ويمزقهم الفقر، الذين يقدمون الهم الاقتصادي والهم الاجتماعي على غيرهما من الهموم الحزبية والسياسية ولايجدون بما تصنعه المعارضة من الأزمات السياسية المفتعلة سوى إضافة فساد إلى فساد وفقر إلى فقر ومعاناة إلى معاناة على نحو يعزز مالديهم من القناعات على قاعدة (ليس بالإمكان احسن مما هو كائن) لأن جوع السلطة قد يدفع هؤلاء المستعجلين إلى تجاوز الطمع السياسي إلى مابعده وماقد يرافقه من الطمع والجشع المادي الاقتصادي، لأن السعي إلى ابتلاع السلطة بلا شرعية انتخابية سوف يرافقه وقد يتقدمه السعي إلى ابتلاع الثروة بلا عدالة.. لأن من يسعى جاهداً إلى مصادرة حق الهيئة الشعبية الناخبة في انتخاب ممثليها إلى السلطات التشريعية والتنفيذية والمحلية بشرعية حوارية تقوم على تقاسم السلطة والثروة وفق قانون الغاب (هذا لي وهذا لك) وماينطوي عليه من التأميم والمصادرة المستبدة لاينتج عنه سوى المصادرة غير العادلة لما هو متاح وممكن من الثروة المادية للشعب, بأساليب تسخر السلطة لاستباحة الثروة ضاربة بما هو نافذ من المقدسات الدستورية وسيادة القانون عرض الحائط بذات الأسلوب الذي فرغت الدستور والقانون من الحقوق والحريات السياسية والانتخابية.. ولكن بالاستخدام الفوضوي وقد يكون غير السلمي المتعسف لما هو مكفول من حق التظاهر والاضراب والاعتصام والتعبير عن الرأي، أي الاستخدام الفوضوي للحق في الانتصار للباطل وضرب الثوابت الوطنية بهذا النوع من الديمقراطية الانتقائية الهادفة إلى اخضاع إرادة الشعب لإرادة بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية التي لاتثق بما لديها من قدرات انتخابية تنافسية. أقول ذلك وأقصد به إن هذه الأحزاب الهاربة من العملية الانتخابية وفق ما لديها من الشروط التي استوعبتها التعديلات القانونية الجديدة .. مابرحت تشكك بحيادية واستقلالية رجال السلطة القضائية الذين سيقع عليهم الاختيار للمرشحين لعضوية اللجنة العليا للانتخابات، طبقاً لما نص عليه اتفاق المبادىء بين الأحزاب والتنظيمات السياسية قبل الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م الأمر الذي يؤكد للمحلل المحايد وللهيئة الشعبية الناخبة لنواب الشعب وللهيئات والمنظمات الدولية أن الخلل يكمن في ضعف هذه الأحزاب وليس في عدم حيادية واستقلالية لجنة خالد الشريف ونائبه عبدالله الأكوع.. أو كما يحلو لهم القول لجنة الشريف والجندي التي اضطرت إلى تقديم استقالتها من عضوية اللجنة خوفاً من العواقب الوخيمة لعدم إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها الدستوري والقانوني وخوفاً من المساءلة والمعاقبة عن التقصير في مراجعة وتعديل جداول الناخبين التي أحبطت بعد اختيار اللجان الاشرافية والأساسية والفرعية وتدريبها من قطاع التربية والتعليم وأخذ كافة الضمانات الكفيلة بالحيادية وتجميد أي ارتباطات حزبية اثناء ممارستها لمهامها العملية طبقاً لما نص عليه القانون، ناهيك عن تدريبها وتجهيز كافة ماهي بحاجة إليه من الوسائل والمستلزمات بمهنية عالية تعكس مالديها من القدرات والخبرات.. أعود فأقول إن الأحزاب التي رفضت تقديم ماخصص لها من نسبة 46 % من اللجنة العليا واللجان المساعدة لها.. والتي وصلت إلى المناصفة بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة لايمكنها القبول بحيادية واستقلالية اللجنة المشكلة من القضاة وسيقولون حتماً إن القضاة الذين تحرم عليهم مهامهم القضائية الانتماءات الحزبية سوف يقولون عنهم بأنهم أصحاب ارتباطات حزبية سابقة وغير معلنة ولدت معهم يوم ولدتهم أمهاتهم واستمرت كذلك في سنوات الطفولة والدراسة إلى سنوات الالتحاق بالعمل.. غير آبهين أنهم بهذه الاتهامات الكيدية الكاذبة يوقعون أنفسهم في حالة تناقض مع ما نص عليه الدستور ومع مانصت عليه القوانين النافذة من وجوب استقلالية اللجنة العليا للانتخابات ووجوب استقلالية القضاة الذين تتحدد مهامهم في توزيع العدالة بين أبناء الشعب الواحد على قاعدة المواطنة المتساوية أمام الدستور والقانون في الحقوق والواجبات بصورة واضحة القطعية والدلالة واليقين غير القابل للالتفاف والمراوغة في غياب الغموض. نعم إن هذه الأحزاب الرافضة للشرعية الانتخابية سوف لانجد منها سوى الرفض المطلق لكل الخيارات ولكل البدائل التي ولدت خلال عملية حوارية طويلة افضت إلى تقديم الحاكم لسلسلة طويلة من التنازلات التي عددها الشيخ سلطان البركاني في مجلس النواب, فكما ترفض اليوم القضاة الذين طالبت بهم بالأمس.. هاهي ترفض أمام الشعب إدراج قانون الانتخابات التي عدلته ووافقت عليه بنداً بنداً بصورة فاضحة ملوحة بالويل والثبور وعظائم الأمور وبأنها سوف تلجأ إلى ترحيل الأغلبية الحاكمة من السلطة مطلقة عليها مصطلح الاستبداد، وستلجأ إلى الاستقواء بكل الخارجين عن القانون حتى ولو كانوا متهمين شعبياً بالعداء للثورة والجمهورية والوحدة والإرهاب من اللصوص وقطاع الطرق والقتلة الذين طالما رفضوا جزئياً أو يرفضون كلياً اليد الحكومية الحوارية الممدودة لهم في الداخل وفي الخارج، لأنهم يدركون أن استحالة الاستيلاء على السلطة بشرعية دستورية لاتترك لهم سوى خيار اللجوء إلى مايطلقون عليه بالشرعية الثورية المستندة إلى القوة سواءً كانت قوة الحيلة والخديعة الحوارية أو قوة العملية الانتخابية، لأن الحصول على الثقة الشعبية من خلال تجاربهم الانتخابية السابقة لازالت بعيدة المنال إذا لم أقل مستحيلة على المدى المنظور في وقت لم يعد لديهم قدرة على الانتظار الذي يقاس بالأعوام .. حتى ماعرض عليهم من تفريغ للدوائر الانتخابية ومن المشاركة في حكومة وحدة وطنية قد تكون خليطاً من التكتيك والمناورة السياسية يشبه السهل الممتنع أو القشة التي قصمت ظهر البعير لأنها سوف تعرض هذا التحالف الهش إلى نهاية مأساوية محتومة من خلال ماسوف تحدثه قسمة الدوائر البرلمانية وقسمة الحقائب الوزارية من صراعات وحروب تضع المسمار الأخير في نعش هذا التحالف الذي ذابت فيه إلى حين الانتقام كل التناقضات الايديولوجية بين من هم في أقصى اليمين ومن هم في الوسط ومن هم في اقصى اليسار مفسحة المجال لما لديهم من الرغبات الانتقامية المتعطشة للخراب والدمار والانتقام؟.