في الاستطلاع الذي أجراه مركز قياس الرأي العام حول (العملية الانتخابية في اليمن.. حوارات الأحزاب السياسية واتجاهات الناس) أكد 92 % من الأشخاص الذين تم أخذ آرائهم عدم تعرضهم لأي ضغط عند الإدلاء بأصواتهم أثناء الانتخابات. ويرى بعض المستطلعين أن الانتخابات ليست وسيلة للتغير ويعيدون ذلك إما لعدم كفاءة المرشحين أو لأن الانتخابات لم تُحسن الأوضاع المعيشية للناس ولغيرها من الأسباب. هذه المؤشرات وغيرها من الآراء التي خرجت بها العديد من المنظمات الرقابية المحلية والأجنبية التي شاركت بالرقابة على الانتخابات اليمنية في مراحلها المختلفة تعطي العملية الانتخابية اليمنية ميزات لاتتوفر في نظيراتها العربية من خلال آلية الانتخابات والمساحة الممنوحة للمرشح والمراقب في الاشراف المباشر على العملية الانتخابية من مراحلها الأولى ، مع التأكيد أن الأحزاب السياسية كلها تمتلك من الدهاء مايمكنها من اختراق قانون الانتخابات وتبقى هذه التجاوزات ملاحظة لكنها أيضاً تبقى محدودة ولاتؤثر على النتيجة العامة للانتخابات. في الانتخابات المحلية عام 2001 كنت أحد المرشحين في الدائرة (34) المركز (أ) عن قائمة المعارضة وكان حينها الإصلاح مازال راكباً على (جملين) رجل في السلطة وأخرى في المعارضة ولم يكن حينها قد حسم أمره وأثناء فرز الصناديق كانت نتيجة الفرز تشير إلى فوز قائمة الإصلاح المكونة من 6 مرشحين انسحب خلالها مندوبو مرشحي المؤتمر الشعبي العام وقدموا طعناً بأحد الصناديق (كان مشرفاً عليه ممثل للإصلاح) وتوقفت عملية الفرز لأكثر من عشر ساعات ، حينها قرر رئيس اللجنة تنصيب أشخاص آخرين بدلاً عن مندوبي المؤتمر واستمرت عملية الفرز ، كنا قد أقررنا تأجيل فرز الصندوق المطعون به حتى نهاية الفرز وعند الإنتهاء من فرز الصندوق المشتبه به طالب مندوبو مرشحي الإصلاح عمل محضر أن الصندوق سليم ولايوجد به أي شبهة ولايوجد مايدل على وجود تزوير وأنطلى الموضوع على البعض من مرشحي المعارضة ورفضت حينها هذا المبدأ وأكدت أن الجهة المخولة بتحديد ما إذا كان الصندوق سليماً أو مزوراً هو القضاء خصوصاً أن طعناً قد تم تقديمه للمحكمة فحصلت مشادة مع مرشحي الإصلاح فسألتهم سؤالاً: لماذا هذا الصندوق تحديداً تريدون أن نوقع على أنه سليم مع أن جميع الصناديق السابقة وقعنا فيها على محاضر الفرز ولم نؤكد عليها في محاضر مستقلة أنها سليمة؟؟!! أليس هذا الإصرار يدعو للشك والريبة.. اقتنع بقية الزملاء في المعارضة بهذا الرأي وعومل الصندوق بالطريقة التي تم فيها التعامل مع الصناديق السابقة وبعد أشهر صدر حكم المحكمة ببطلان الانتخابات في هذا المركز والزام اللجنة العليا للانتخابات بإعادتها وكان هذا الصندوق هو الذي استند عليه الحكم ولم يتم اعادة الانتخابات بعد توقيع محضر في المحافظة أيام المحافظ أحمد عبدالله الحجري. اضع هذه الحادثة أمام القارىء الكريم والتي عايشتها بنفسي لحظة بلحظة للتأكيد على أن عملية التزوير في صناديق الاقتراع تكون نادرة ومحدودة وتمارسها الأحزاب الأكثر تنظيماً والمستندة للقاعدة الماكيافلية (الغاية تبرر الوسيلة) والمؤيد بقاعدة فقهية من انتاجهم (مالايتم الواجب إلا به فهو واجب) ومع ذلك فإن التزوير الذي طال الصندوق لم يغير بالنتيجة لأنه لم يكن حاسماً ، فالنتيجة حسمت سلفاً وعلى ذلك فإن آلية الرقابة تعقد على الراغبين في التزوير عملهم إلا في الحالات المشهورة التي يصل بها الأمر إلى استخدام القوة وتكسير الصناديق والغاء النتائج وهي محدودة ونادرة ايضاً ولاتغير في النتيجة العامة. الانتخابات هي وسيلة للتعبير عن إرادة الناس في اختيار حكامه وهي نتيجة نسبية لايمكن أن يحقق ذلك 100 % وليست أداة للضغط والمناورة في تحقيق أهداف ومصالح ذاتية سواء كانت حزبية أو شخصية. أضم صوتي لصوت السياسي الاشتراكي أنيس حسن يحيى الذي دعا أحزاب المشترك أن تحسم أمرها سريعاً وتتخذ قراراً بخوض الانتخابات النيابية القادمة حسب المقابلة التي اجرتها معه صحيفة (اليمن) في عددها الأخير. وإذا تجرد السياسيون من أنانيتهم ونظروا للأمر من زاوية المصلحة الوطنية سيجدون أننا في اليمن نمارس انتخابات بآلية أفضل بكثير مما يمارس في دول عربية أخرى وكان الأجدر بهم أن يتعاملوا مع الشارع ويعبروا عن نبضه بدلاً من حوارات الغرف المغلقة وإدارة المصالح الذاتية من خلالها.