قبل أيام قليلة أعلنت الحكومة التشيلية مصادقتها على قرار الاعتراف بدولة فلسطينية حرة ومستقلة على حدود 67، لتحذو بذلك حذو عدد من الدول في أميركا اللاتينية، في خطوة اعتبرتها الولاياتالمتحدة سابقة لأوانها, وقد تضر بعملية السلام. وكانت البرازيل والأرجنتين وبوليفيا وفنزويلا أعلنت اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967، فيما أعربت أورغوايوالمكسيك وبيرو ونيكاراغوا عن عزمها القيام بخطوة مماثلة خلال العام الجاري. وإذا كانت تتميز أغلب دول أمريكا الجنوبية بمواقف جيدة تجاه القضايا العربية, خاصة ما يتعلق منها بالصراع العربي الإسرائيلي, كما أن هذه الدول تحتضن أعداداً كبيرة من الجاليات العربية.. والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا هو: لماذا لا نجد التفاتة عربية واتجاهاً لاتينياً نحو هذه المنظومة, التي تتشابه إلى حد كبير مع عالمنا العربي في المواقف النضالية والاتجاهات التحررية ونزعات الاستقلال والحرية ورفض الهيمنة. البرازيل كانت أول من أطلق فكرة عقد قمة بين الدول العربية والدول اللاتينية عام 2003 بالاستناد إلى أن العلاقات العربية - اللاتينية تعود جذورها إلى 500 عام, حيث إنه برأي الباحثين ربما تكون أولى الهجرات العربية قد أتت إلى أمريكا اللاتينية مع الفاتحين الأسبان والبرتغاليين, الذين كانت بلادهم قد استقلت لتوها من الحكم العربي. وينحدر نحو 18 مليوناً من سكان أمريكا اللاتينية من أصول عربية من بينهم، نحو ستة ملايين مسلم, وبقيتهم يدينون بالمسيحية, ويتبين من خلال التتبع التاريخي والسكاني للهجرات العربية إلى قارة أمريكا اللاتينية أن الحضور العربي الأكبر هو في البرازيل والأرجنتين, تليهما تشيليوالمكسيك, أما الأقل فهو في البيرو والباراغواي. وكانت وجهة أغلب المهاجرين السوريين واللبنانيين إلى البرازيل والأرجنتين والباراغواي, بينما تركزت هجرة الفلسطينيين إلى تشيلي والبيرو, في حين أن أغلب المهاجرين إلى المكسيك كانوا من اللبنانيين. وإذا ما كانت تلك الهجرات قد حدثت على شكل موجات بشرية ضخمة من أبناء بلاد الشام, وكانت دوافعها الأساسية اقتصادية, وهرباً من حالة البؤس والفقر فإن من الأمور التي أثارت انتباه الباحثين, إقبال غالبية المهاجرين على النشاط التجاري, بمن فيهم أولئك المنتمون إلى أصول ريفية, والذين كان نشاطهم قبل الهجرة هو الفلاحة. وبالنسبة لمسألة اندماج العرب في تلك المجتمعات, التي تدفقوا إليها بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر فإن ذلك لم يكن قضية سهلة, حيث جوبهوا في الخمسين سنة الأولى بالرفض وعدم القبول, بل والازدراء, لكنهم اندمجوا شيئاً فشيئاً إلى درجة الانصهار والذوبان, ومن الناحية السياسية جاء انخراط الفئات المثقفة منهم في الأحزاب القائمة هناك, ليرسخ اندماجهم الاجتماعي, إلى جانب الاشتغال بالوظائف العامة, وانخراطهم في الزواج المختلط, إلى أن بدأنا نشهد تحول عدد منهم إلى زعماء سياسيين: رؤساء جمهوريات, ووزراء, ونواب في البرلمانات. ومما يدلّ على المكانة المحترمة, التي وصل إليها العرب هناك: تأسيس كراسٍ علمية في عدد من جامعات القارة للتعريف بالتاريخ والحضارة العربيين, وتقديم العربي, غالباً بصورة إيجابية, في إبداعات كبار الروائيين الأمريكيين اللاتينيين, الذين تتحول أعمالهم عادة إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية.. فعلى سبيل المثال قدم في شهر أيار/مايو 2006 عددٌ من القنوات التلفزيونية في إسبانيا وأمريكا اللاتينية مسلسلاً مكسيكياً نال شهرة كبيرة, ويحمل عنوان (Los Plateados) وهو لقب إحدى العائلات, يحكي قصة نجاح العرب في التجارة, وطبيعة علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية بالمكسيكيين, وعاداتهم وتقاليدهم...إلخ. وإذا كانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت عقد قمتين للدول العربية ودول أمريكا اللاتينية أولاهما في البرازيل عام 2005 والثانية في قطر عام 2009 فإن ما هو مؤمل أن لا تظل هذه القمم مجرد مقررات وتوصيات وأن يكون هناك توجه عربي جاد لتعزيز وتفعيل العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية سياسياً واقتصادياً وثقافياً. وإذا كان الجانب الشعبي العربي قد أدرك بالفطرة قربه من هذه المنظومة, وراح يشجع منتخبات البرازيل والأرجنتين والأورجواي, ويفضلها على المنتخبات الأوروبية فإن الجانب الرسمي مطالب بأن يفهم هو الآخر أين مصلحة دوله وشعوبه؟. [email protected]